/ صفحه 158/
تنقلت من بلد إلى بلد، ومن لون إلى لون، وأنت إذا طلبت العلم فلست متصفا بأنك تحاكي زيدا أو عمرا من الناس، فالمحاكاة إنما تتأتي في ضروب العيش الاجتماعية، لقد كانت اليابان وقد تصبح أمة عالمة قوية، ولم تكن تحاكي الغرب من حيث المظاهر الاجتماعية، فجروا الذرة أو فأجمعوا شتاتها بعد انفلاقها، ولن يقال عنكم إنكم حاكيتم أو مسختم، أما أن ترقصوا أو تبدو الفتاة في زي الفتى، إلى آخر ما هنالك مما أنت به أعلم، فهنا المحاكاة وهنا المسخ.
قلت: المدنية كل لا يتجزأ، ولنا أن نقبلها جملة أو نرفضها جملة، أما أن نأخذ منها جزءا ونذر منها جزءا فهذا هو المسخ أو التشويه.
قال: أنت في المغالطة لم تعدها أو تبين لي أن صاحب الرياضة أو الطبيعة أو ما شئت من ألوان المعرفة لا يعرفها إلا إذا تزيا بزي معنى، أنا أعرف النحو والصرف وعلوم البلاغة، أفتراني مدينا للجبة والعمامة بما أعرف، فإذا استبدلت بهما زيا آخر أنكرتني معارفي أو أنكرتها؟ اسمع يا بني إن تتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءكم من ربكم الهدى.
قلت: وهل اتبعنا إلا البحث عن الحقيقة، وإنها لهي الهدى لو وجدنا إليها السبيل.
قال: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة، وكيف تبحث عن الهدى بعد قوله تعالى ((ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)) وما ذا بعد الهدى إلا الضلال؟
قلت: لا ريب أن الهدى هدى الله كتابه المبين، ولكن العقدة في أننا نختلف في فهمه اختلافا جوهريا.
قال: حجة داحضة، أو هو عذر الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، فأما المسلمون حقا فإن كتاب الله يجمعهم، وإذا اختلفوا في فهم أحكامه التفصيلية فليس من شأن ذلك أن يؤثر في المفهوم العام أو في الأصول أو في كينونة جماعة المسلمين.
قلت: أما المقولات الإسلامية الأولى وما أدت إليه من قيام مذاهب، أو بعبارة