/ صفحه 157/
قلت: واقع الأمر أن دائرة الفساد أوسع من فرنسا، بل لعل الترف وما إليه لازمة من لوازم الحضارة القائمة.
قال: ((وهو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض)).
قلت: يبدو أن الإنسانية قد استحقت هذا العذاب ينزل بها من فوق ومن تحت وتلبس شيعا ويذوق بعضها بأس بعض.
قال: استحقت وحاق بها الوعيد وإن كنت لا ترى فإن من تمام البلاء أن المبتلى يغفل عن كونه واقعا فيه.
قلت: لست أدرى من الكتاب الأوروبي الذي صور حال جماعة من الفلاسفة ظلوا حينا من الزمن يتناقشون في عذاب جهنم ثم ماتوا فكانوا لها وقودا، إلا أنهم مع هذا أخذوا في مناقشتهم، وكأنهم ما زالوا من أبناء الدنيا، وكأنهم لا تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون.
قال: وكأن ذاكرتك لا تعي، وعقلك لا يدرك، وحواسك لا تحس شيئا إلا أن ينتسب إلى أوروبا … إنه المسخ في أوضح صوره … كانت الناس في العصر الخوالي لا تتصور المسخ إلا أن يصبح الإنسان أو يمسي ماشيا على أربع قردا أو خنزيرا، ولكن شيخك يرى المسخ في العقول والفطر لا في الأجسام والصور، ولو نظرت بعيني لرأيت قردة وخنازير تمشي على رجلين.
قلت: معني هذا أن من حاكى الأوروبيين محاكاة تامة كان في نظركم قردا يمشي على رجلين.
قال: يتم المسخ وينقص بقدر ما تتم المحاكاة وتنقص.
قلت: ولكننا مع هذا إذا لم نحاك الغرب، فنحن قاعدون مع الخوالف من الأمم الميتة.
قال: هذه مغالطة لا تخفي على البليد بله الأريب، فإن العلم ووسائل القوة التي تنأي بك عن الخوالف ليست غربية ولا شرقية، وأمامك التاريخ فاقرأ تجد المعرفة