/ صفحه 148/
ومن أنواع القتل بالتسبب في نظر الإسلام كذلك أن يموت إنسان جوعا في بلد إسلامي، فقد ذهبت طائفة من فقهاء المسلمين، على رأسها العلامة ابن حزم، إلى مسئولية البلد الذي يموت أحد أفراده جوعا، فيؤدي أهله جميعا الدية متضامنين كأنهم شركاء في موته. وذلك لأن الإسلام يوجب على أهل كل حي وبلد أن يعيش بعضهم مع بعض في حالة تكافل وتعاضد، يرق غنيهم لفقيرهم، ويسد شبعانهم حاجة جائعهم، ويعطف كل جار علىً جاره. وقد أوصى القرآن في أكثر من موضع بالجار القريب والجار البعيد، فقال تعالى: ((واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب))(1) وأوصى عليه الصلاة والسلام بالجار في أكثر من حديث. فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((ليس منا من بات شبعان وجاره جائع)) ولا يفرق الإسلام في ذلك بين المسلم وغير المسلم. فقد روي أن رجلا كان عند عبدالله بن عباس، وغلام له يذبح شاة، فقال ابن عباس: ((يا غلام لا تنس جارنا اليهودي))، ثم عاد فكررها ثانية وثالثة: فقال له الرجل: ((كم تقول ذلك يابن عباس؟!)) فقال: ((والله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال يوصينا بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) أي سيجعل له نصيبا مما نترك بعد وفاتنا - وحدث أن مر عمر بباب قوم وعليه سائل يسأل، وكان شيخا ضرير البصر، فضرب عمر عضده، وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال يهودي، فأخذ عمر بيده وذهب إلى منزله وأعطاه مما وجده، ثم أرسل به إلى خازن بيت المال وقال له: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إذ أخذنا منه الجزية وهو شاب وتركناه يتسول وهو شيخ، إنما الصدقات للفقراء والمساكين، وهذا من المساكين من أهل الكتاب وأجرى له رزقا دائما من بيت المال.
فلا جرم إذن أن يعد موت إنسان جوعا في بلد إسلامي أقطع دليل على تقصير أهله فيما فرضه عليهم دينهم من واجب التواصي بالخير والإحسان واحترام الحياة الإنسانية، ولا غرابة إذن فيما يذهب إليه بعض فقهاء المسلمين من وجوب الدية على أهل هذا البلد متضامنين، جزاء لهم عما أدى إليه تقصيرهم.

*(هوامش)*
(1) سورة النساء، آية 36