/ صفحه 149/
الدعوة إلي العامية
انتكاس في الجهالة وجناية على القومية
للأستاذ عباس حسن
أستاذ اللغة العربية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة
لست أعرف دعوة أثيمة أبعد من الحق، وأوغل في الباطل، وأجلب للخطر والضرر على البلاد العربية، من الدعوة إلى الإلحاد اللغوي، والمروق من حدود الفصحي، والعبث بمقدساتها.
إنها دعوة قديمة جديدة، تظهر حينا، وتختفي حينا، على حسب ما يتاح لها من جو ملائم، وفرصة مهيأة، لنفث سمومها، ونشر جراثيمها، ولست الآن بصدد تبيان الأسباب والدواعي القديمة التي حفزت إليها ودفعت بعض المضللين أو المخدوعين إلى إعلانها في أوقات يتخيرونها.
أما الدعاة اليوم فهم أحد رجلين: إما حاقد عليها ساخط على أهلها - لأسباب تاريخية - وهذا لا خير في مجادلته، ولا غاية ترجى من وراء إرشاده إلا أن يبرأ صدره من الأضغان، وينقى من الشوائب. وأما رجل قصرت به ثقافته عن التحصيل اللغوي المحمود، وعجزت مواهبه عن تدارك ما فاته، ثم هو - إلى ذلك النقص والتقصير طموح، واسع الأمل، فسيح المطامع، ولكنه يرى أن لا سبيل إلى تحقيق مطامحه ومطامعه إلا على جسر متين من الكفاية اللغوية، والمقدرة الأدبية، وما له إليهما من سبيل، فما عسى أن يفعل في موقف كهذا، يجتمع فيه الطموح الأوسع مع العجز الأكمل، ويتلاقي فيه الأمل المنبسط مع الوسيلة المقصرة؟
لا مخلص من هذا كله إلا بذم اللغة، واتهامها بالإساءة الذاتية، وإلقاء التبعة عليها، تلمسا للمعاذير الكاذبة، على أن يكون فيها شفاء النفس من بعض ما تعانيه، وما أخطره دواء هو بالداء أشبه، وبالمريض أقتل!!
على أني أريد أن أحمل نفسي على حسن الظن بأصحاب هذه الدعوة، وأقهرها