/ صفحه 14/
ولا ينفر، وأن يعمل جاهداً في تطهير أسلوبه من الكلمات الجافة المنفرة التي تحمل العنف والغلظة، أو الشتم والتجهيل، أو تسجل على السامعين - وهم مؤمنون- ضياع الدنيا والاخرة، واستمراء المعاصي والفسوق، إلى غير ذلك مما يجرح الصدور، ويذهب بأمل الناس ورجائهم في عفو الله ومغفرته، أو يجعل قلوبهم في أكنة مما يدعوهم إليه.
وفي الاقتصار على التلاوة ((أتل)) إيحاء قوي لتقدير المتكلم مكانة المخاطبين، وارتفاعهم إلى درجة لا تكلفه في لفت الأنظار إلى ما يقول أكثر من أن يتلو عليهم، فهم عنده بعقلهم، وحسن استعدادهم لقبول الحق، حريصون على أن يسمعوا، وحريصون على أن يعملوا بما يسمعون، فاقتصر على أن يتلو عليهم، دون أن يكلفهم شيئاً ما حتى السماع، فضلا عن التنفيذ، وكأنه قدر أن السماع والتنفيذ مما تكفله فطرهم السليمة، دون حاجة إلى أن يؤمروا به، أو يطلب منهم، وهذا غاية في اللطف، وغاية في التكريم، وغاية في حسن الموعظة وتوجيه الخطاب.
توجيه الدعوة باسم الربوبية من بواعث قبولها:
((تعالوا أتل)) ماذا أتلوا؟ ((أتل ما حرم ربكم عليكم)) وعنوان الربوبية، تشع من جوانبه نعم الخلق والتربية، والفضل والإحسان، والهداية إلى طرق الخير والسعادة، وإذا كان الرب هو الذي يحرم، فهو لا يحرم بمقتضى ربوبيته؛ منبع الخير والإحسان، إلا ما يخرج عن الفطر، ويفسد العقول، ويحدث العداوة، ويشيع المظالم، ويقطع الأرحام. وما أروع الخطاب بعنوان الربوبية، ففيه إحياء الشعور بالضعف أمام القوة، وبالذلة أمام العزة، وبالحاجة أمام الغنى، وفيه إحياء الشعور بمحبة الرب وعطفه ورحمته، وإحياء الشعور بقوة الرجاء في التقبل واستجابة الدعاء.
وقد كان عنوان الربوبية لذلك شعار الأنبياء والمؤمنين في دعائهم لربهم، ودعوتهم لأممهم، فإبراهيم يقول ((ربنا تقبل منا)) ((ربنا واجعلنا مسلمين لك)) ((ربنا وابعث فيهم رسولا منهم)) ((ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع