/ صفحه 13/
هذا التشريع وصدوره عن العليم بطيات النفوس ودخائلها، الخبير بما يصلحها وما يفسدها، ولذلك كانت لها وقع النتائج بعد المقدمات، والمقاصد بعد الوسائل، والغايات بعد البدايات.
ومن جهة أخرى قد اقترن هذا الأسلوب بجملة من دلائل العناية والأهمية، ترشد إليها كلماتها ودلالتها. وبذلك كان هذا الأسلوب، الأسلوب الوحيد الذي انفرد به بيان تلك الوصايا، كما انفردت الوصايا نفسها بما لها من المكانة الكبرى في السمو بحياة الفرد وحياة المجتمع.
هدى جامع، في أسلوب بارع:
ولتصحبني قليلا في النظر إلى كلمات ((تعالوا)) ((أتل)) ((ما حرم ربكم عليكم)) فكلمة ((تعالوا)) تتضمن إرادة تخليص المخاطبين ورفعتهم من انحاطط هم فيه، إلى علو يراد لهم، ويدعون إليه، وتدل في الوقت نفسه على طلب المتكلم إقبالهم عليه، وانضمامهم تحت لوائه، فتتحد وجهتهم ولا تذهب بهم الأهواء والسبل في مناحي الغي والفساد، وليس من ريب في أن هذا أسلوب قد قرت في النفوس قوته: يقرب البعيد، ويؤلف النافر، ويشعره بمعاني العطف والمحبة والرحمة، وقد امتن الله على نبيه أن هداه في الدعوة إلى اللين والرحمة، وأشار إلى الأثر الطيب الذي يحدثه ذلك: الأسلوب من إقبال الناس عليه، واستجابتهم له، والتفافهم حوله ((فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك)) ثم أمر به في كتابه وحث عليه كل من يتصدى للدعوة إليه سبحانه ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) ((ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)).
الترفق في الخطاب أولى في الموعظة:
وجدير بمن يتصدى لدعوة الناس إلى الخير وحثهم على الفضيلة أن ينهج في دعوته وتوجيه خطابه، هذا الأسلوب الذي يجمع ولا يفرق، ويؤلف