/ صفحه 12/
مفروق، وإلام تدعو أيضاً يأخا قريش؟ فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض ولو كان من كلامهم لعرفناه، فتلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ((إن الله يأمر بالعدل والاحسان … الآية، فقال له مفروق: دعوت والله يا قرشي إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك.
وقال هانيء بن قبيصة: قد سمعت مقالتك واستحسنت قولك يأخا قريش، ويعجبني ما تكلمت به، فبشرهم الرسول - إن هم آمنوا - بأرض فارس وأنهار كسرى، فقال له النعمان: اللهم وإن ذلك لك يأخا قريش، فتلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ((إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً)) ثم نهض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
هذه مكانة آياتنا الثلاث، وهذا مبلغ تأثيرها في نفوس العرب، أهل الجاهلية كما نقول. وكيف لا تكون لها تلك المكانة، وقد جمعت بأسلوبها الاخذ بالقلوب، أصول الفضائل وعمد الحياة الطيبة التي تنبع من الفطر السلمية، والتي دعا إليها كل رسول، ونزل بها كل كتاب، وأيدها كل اجتماع.
مجيئها بأسلوب السورة التلقيني كنتائج بعد المقدمات:
نزلت هذه الوصايا العشر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا نكاد نعرف شيئا من تعاليم القرآن وأحكامه نزل بمثله، فقد بدأت بكلمة ((قل)) والبدء بكلمة ((قل)) على وجه العموم - كما قلنا وكما يظهر من تتبعها في القرآن - يدل على نوع خاص من العناية والاهتمام بالإرشاد أو الإرشادات التي سيقت بها: ((قل أعوذ برب الفلق)) ((قل أعوذ برب الناس)) ((قل من يكلؤكم بالليل والنهار)) ((قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم)) ((قل إنما بشر مثلكم)) ((قل يحييها الذي أنشأها أول مرة)) … الخ
والبدء بكلمة ((قل)) وإن كان كثيرا في القرآن، وتحظى منه سورة الأنعام دون غيرها من السور بالنصيب الأكبر، إلا أنه في هذه الوصايا العشر، قد جاء بعد أن سبحت السورة سبحا طويلا في حجاجها القوي وبراهينها القطعية التي تكون هذه الوصايا نتيجة حتمية لما أثبتته تلك البراهين ودلت عليه من حقيقة