/ صفحه 125/
شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم)) وكذلك جاء فيها النعي عليهم من جهة أنه خسران عظيم لهم، خسران لعاطفة الأبوة الفاضلة، عاطفة الرحمة والشفقة، خسران لكثير من النعم التي يحصل عليها الإنسان في حياته وبعد مماته من جهة الولد والنسل فبه العزة والنصرة، وبه امتداد الحياة والأثر، وبه السرور والزينة، ومنه المعونة في الحياة، ومنه البر والصلة، كل ذلك يخسره قاتل أولاده بطيشه وحمقه، وجهله وسوء تقديره، واقرأ في ذلك قوله تعالى: ((قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله، افتراء على الله، قد ضلوا وما كانوا مهتدين)) هذا ولا يزال بعض الناس إلى يومنا هذا تتملكهم الشياطين فتزين لهم قتل أولادهم بحجة الفقر أو خوفا من الوقوع فيه، فيصيبهم الخسران المعنوي، وتفسد لديهم عاطفة الأبوة الشريفة، ويصيبهم الخسران الحسي فيفقدون في حياتهم المولى والنصير، وفي مماتهم الأثر الطيب الذي يتمثل في الأبناء والأحفاد، والآية تقطع على هؤلاء وهمهم، وتزيل خوفهم، وتلفت أنظارهم إلى أن الرزق بيد الله وهو الرزاق ذو القوة المتين، ((وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)).
من أسرار التعبير:
وقد جاء هذا الضمان الإلهي بالنسبة للأبناء على صورتين مختلفتين في آيتي الأنعام والإسراء: ((نحن نرزقكم وإياهم)) و((نحن نرزقهم وإياكم، وقد نظرت كل صورة منهما إلى حالة من حالتين، تدفع كلتاهما الآباء إلى قتل الأبناء، فالفقر الذي كان يحدو بهم إلى قتل الأبناء إما أن يكون حاصلا موجودا، وإما أن يكون متوقعا مرتقبا بعد كبر الأولاد وشيخوخة الآباء، وكان علاج الحالة الأولى ما جاء في الآية الأولى: ((ولا تقتلوا أولادكم من إملاق)) وكان علاج الحالة الثانية ما جاء في الآية الثانية: ((ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق)) ونظرا إلى أن الحالة الأولى يكون الآباء فيها هم المكلفين بالسعي والإنفاق، ناسب أن يكون علاجها: ((نحن نرزقكم وإياهم)) قدم فيها رزق الوالدين لإفادة أنهما أصحاب الشأن والعمل، وبرزقهما يرزق الأولاد، ونظرا إلى أن الحالة الثانية يكون الآباء قد وصلوا إلى درجة العجز عن الكسب