/ صفحه 123/
صورتان متقابلتان من الشكران والكفران:
وقد انفردت سورة الأحقاف بعرض صفحتين، إحداهما بيضاء نقية، تصور الولد البار الذي أدرك فضل الله وفضل والديه عليه، فأخذ يلهج حين بلغ أشده، واستكمل رجولته بالدعاء ((رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلي والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين)) ثم تذكر جزاءه الحسن عند الله ((أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون)).
أما الصفحة الأخرى فسوداء قاتمة، عرضتها السورة في مقابلة هذه، للولد العاق الذي نكص على عقبيه ورفض نصح والديه، بل تأفف منهما وتضجر، ورمى بدعوتهما إياه إلى الخير والإيمان وراء ظهره وقال: ((ما هذا إلا أساطير الأولين)) بعد أن يرمي في وجوههما بحجة الكفر والإلحاد المهلهلة ((أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي؟)) ثم تذكر الآية ما أعد له من جزاء سيء: ((أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس، إنهم كانوا خاسرين)).
استنباط فقهي ورأينا فيه:
هذا وقد نظر الفقهاء في آيتي لقمان: ((حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين)) والأحقاف: ((حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)) مع آية الإرضاع الواردة في البقرة: ((والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)) وجعلوا الآيات الثلاث أصلا تشريعيا لأكثر مدة الرضاع ((حولين كاملين)) وأقل مدة الحمل وهو ستة أشهر، بعد إسقاط مدة الرضاع من مدة الحمل والفصال الواردة في سورة الأحقاف: ((وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)) وعلى ذلك قالوا: إن الولد الذي يجيء لأقل من ستة أشهر بعد الدخول يكون غير ثابت النسب إلى الزوج، والرضاع الذي يكون بعد مضي عامين لا يوجب التحريم. وبقى بعد ذلك أقل مدة الرضاع، وأكثر مدة الحمل، وليس في القرآن ما يرشد إلى واحد منهما، ومن هنا اختلف الفقهاء اختلافا واسعا في أكثر مدة الحمل، فمنهم من رأى أنه