/ صفحه 122/
وإخضاعهما الولد لما يريدان، فإن هذا الخضوع لا يكون خفضا لجناح الذل من الرحمة، وإنما يكون خفضا لجناح الذل من القهر والغلبة. ومن هنا، ومما تجب مراعاته على الوالدين في تربية الأبناء، وجب على الآباء ألا يتخذوا من هذه الوصايا سبيلا للتنكيل بأبنائهم، والوقوف أمامهم في كل خير يريدونه، وكثيرا ما رأينا من الآباء من يجور على بعض أولاده، ومن يطردهم، ومن يؤثر بعضهم على بعض، ومن يتحكم في حياتهم الزوجية، وفي توجيههم العلمي الذي يقضي به استعدادهم، والواجب أن يفهم الآباء حقوق الأبناء، كما يفهم الأبناء حقوق الآباء، وإذا كان الله قد ظهرت وصيته بالوالدين كثيرا دون الوصية بالأبناء فليس ذلك إهمالا للأبناء، ولا إباحة للآباء أن يفعلوا ما يعن لهم مع الأبناء، بل لأن طبيعة الأبوة تقضي على الآباء بالسير بالأبناء فيما يصلحهم وينشئهم على العزة والكرامة، وتكوين الشخصية، وحرية الرأي فيما يرونه خيرا لأنفسهم وفي حياتهم الخاصة.
وبهذا تبني الأسرة كما يريد الله على تبادل الحب والإحسان، وتبادل الحقوق والواجبات، وبذلك تكون الأسرة منبعا لرجال تنتفع بهم أمتهم، وتتكون الأمة من أسر كريمة، لا تعرف الذل ولا الظلم، ولا الإرهاق ولا العنت، والقرآن الكريم لم يعن هذه العناية كلها بحق الوالدين نظرا لشخصهما فقط، بل نظراً لأنهما عمادا الأسرة لابد لها من التكون الذي يستظل فيه أفرادها بلواء العزة والسعادة، ويمتد منها إلى الأقارب والجيران، وسائر الناس والمخلوقات، حتى ملك اليمين، وبذلك تمتد الفضيلة وتبسط أشعتها على الأمة كلها، وما الأمة إلا مجموعة الأسر، يخلع عليها ثوبها. إن شرا وإن خيرا، وإن سعادة وإن شقاء.
وقد عرضت آيات لقمان والأحقاف إلى جانب خاص بالأم أظهرت به ماقاسته في شأن الأولاد من متاعب الحمل والوضع والرضاع، وما يتبعه من مشاق التغذية والتنظيف والسهر والحدب على مصلحتهم، وشدة الاهتمام بهم في الصحة والمرض، حتى تنسى به الأم نفسها وبيتها وزوجها ((حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين)) ((حملته أمه كرها ووضعته كرها، وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)).