/ صفحه 120/
ونراه في مقام الوصية بالوالدين، وقد جاءت على هذا النحو في أربع سور: سورة البقرة، وذلك في قوله تعالى تذكيرا بالميثاق الذي أخذه على سلف بني إسرائيل ((وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل، لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا)) وسورة النساء، وذلك في قوله تعالى وهو يرشد المؤمنين إلى أصول الفضائل التي يجب عليهم أن يتمسكوا بها في عقيدتهم ومعاملتهم ((واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا)) وسورة الأنعام، وذلك قوله في الآية التي نحن بصددها ((ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا)) وسورة الإسراء، وذلك قوله تعالى في بيان ما قضى به وشرع من الوصايا العامة التي لم تتغير بتغير الرسالات الإلهية ((وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر، أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)).
في هذه السور الأربع، عدّي الإحسان في الوصية بالوالدين بالباء التي تدل على إلصاق الإحسان بالوالدين دون واسطة ولا فصل، وجعل الأمر به بالنسبة لهما تاليا في الذكر للأمر بعبادة الله وحده، أو النهي عن الإشراك به، وفي هذا رفع لمقام الأبوة والأمومة أيما رفع، ولم تقف الوصية بهما عند هذا الحد وبهذا الأسلوب، بل جاءت في آيات أخرى بأسلوب الإيصاء، وهو أن يعهد إلى الغير بعمل ذي بال، وهو يدل على العناية التامة، والاهتمام البالغ من الموصي بهذا العمل، كما يدل على سمو مكانة العمل، وعلى أن الموصى، له شأن وحظ يعود عليه من ذلك العمل، ومن هنا كان أسلوب الإيصاء أقوى في البعث على الامتثال من أسلوب الأمر والتكليف، انظر إلى قوله تعالى: ((يوصيكم الله في أولادكم)) وقوله: ((وأوصاني بالصلاة)) وقوله: ((ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)) وقوله: ((شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)) وقوله: ((ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم)) وانظر إلى تذييل آياتنا الثلاث بعد الأمر بالوصايا بقوله تعالى: ((ذلكم وصاكم به)).