/ صفحه 10/
ويقول الإمام القرطبي: ((قال العلماء، إن هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذب بالبعث والنشور، وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة)).
وبعد فهذه هي سورة الأنعام في جملتها، وفي أسلوبها، وفي مقارنتها بسواها، وفيما امتازت به عن غيرها، ومنه يظهر أنه لا مجال للقول بأن بعضها من قبيل المدني، ولا بأن آية كذا نزلت في حادثة كذا، فكلها جملة واحدة، نزلت بمكة لغاية واحدة، هي تركيز الدعوة بتقرير أصولها والدفاع عنها، على الوجه الذي رسمنا.
ولنأخذ في تفسير ما أردنا تفسيره من آيات هذه السورة، وهي آيات ((الوصايا العشر)) التي افتتح بها الربع الأخير منها:
قال الله تعالى:
((قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون، ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا نكلف نفسا ألا وسعها، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون، وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)).
الوصايا العشر ومكانتها في الإسلام:
رسمت هذه الآيات للإنسان طريق علاقته بربه الذي يرجع إليه الإحسان والفضل في كل شيء ((ألا تشركوا به شيئا)) ووضعت الأساس المتين الذي يبنى عليه صرح الأسر، التي تكوّن الأمة القوية الناجحة في الحياة: ((وبالوالدين أحسانا)) وسدّت منافذ الشر الذي يصيب الإنسان من الإنسان في الأنفس والأعراض والأموال، وهي عناصر لابد لسلامة الأمة من سلامتها ((ولا تقتلوا أولادكم)) ((ولا تقتلوا النفس)) ((ولا تقربوا مال اليتيم)). ثم ذكرت أهم المباديء التي