/ صفحه 9/
سرمجيء السورة على هذين الأسلوبين:
هذان الأسلوبان: ((هو كذا)) و((قل كذا))،قد تناوبا معظم ما تضمنته هذه السورة من الحجج وقضايا التبليغ، وهما وإن جاءا من غيرها في سور القرآن، إلا أنهما وخاصة الأسلوب الثاني، وهو أسلوب ((قل كذا))، لم يوجدا في غيرها بهذه الكثرة التي نراها في هذه السورة، وهما بعد ذلك، أسلوبان من أساليب الحجة القوية التي تدل على قوة المعارضين وإسرافهم في المعارضة، وأنهم بحالة تستوجب تلك الشدة التي تستخرج الحق من نفوسهم، وتدفعهم إليه دفعاً عن طريق الحجة التي تأخذ بالقلوب، عن طريق التحاكم إلى النظر العقلي، وإلى القضايا الفطرية التي لاتكلف الإنسان في إدراكها والإيمان بها سوى الرجوع إلى الحس الباطن وشعور الوجدان فيلمس الحق في نفسه. ويراه في الافاق، وتلهمه به الفطرة المصونة من ظلمات المادة والجمود، والشهوة والتقليد.
ويدل الأسلوبان من جهة أخرى على أنهما صدرا في موقف واحد، وإيحاء واحد، وفي مقصد واحد، لخصم واحد بلغ من الشدة والعتو مبلغاً استدعى من القوي القاهر، الحكيم الخبير، تزويد المهاجم بعدة قوية تتضافر أسلحتها في حملة شديدة يقذف بها في معسكر الأعداء فتزلزل عمده، وتهد من بنيانه فيخضع للتسليم بالحق الذي يدعى إليه.
ومن هنا كانت سورة الأنعام بين السور المكية ذات شأن في تركيز الدعوة الإسلامية، تقرر حقائقها وتفند شبه المعارضين لها، واقتضت لذلك الحكمة الإلهية أن تنزل - مع طولها وتنوع آياتها - جملة واحدة، وأن تكون ذات امتياز خاص لا يعرف لسواها كما قرره جمهور العلماء.
وفي ذلك يقول الإمام الرازي في أول تفسيره لهذه السورة:
((قال الأصوليون: امتازت هذه السورة بنوعين من الفضيلة: أحدهما أنها نزلت دفعة واحدة. وثانيهما، أنه شيعها سبعون ألفاً من الملائكة)) ثم قال والسبب في هذا الامتياز أنها مشتملة على دلائل التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وإبطال مذاهب المبطلين والملحدين)).