/ صفحه 9/
فيجب أن يكون هو وحده المستحق للعبادة والطاعة، وهو يصلح أيضا لمنكرى الربوبية إطلاقاً، من حيث إنه يناشد فطرتهم الكامنة، وعقولهم التي لا يمكن أن تتقبل محض المصادفة التي يزعمونها مع هذا الخلق الكامل، والتدبير المحكم، والشواهد الناطقات.
والصنف الثاني مع هذا قلةٌ من النّاس في كل عصر، لا يؤيه لهم ولا يمكن أن يناقَشوا أو يَساق لهم دليلٌ غير الدليل الكوني الذي يصرُّون على إنكاره، فلاحيلة فيهم غير تركهم وإهمالهم حتى تقرعهم القوارع التي تهذب نفوسهم وعقولهم فتوجههم إلى تدبر الآيات والبينات، أو حتى تنقضى حياتهم فيعودوا إلى ربهم
فيعترفوا بما كانوا يجحدون.
لهذا كله بنيت جميع العقائد الدينية وأدلة إثباتها على الأساس الأوّل والحقيقة الكبرى، وهي وجود الله الخالق المتصرف المستحق للعبادة والطاعة، ومن بين هذه العقائد، أو هذه الحقائق، حقيقة الوحي والرسالة، فالبحث فيها مبنى على الإيمان بالله وبما له من صفات الكمال والتنزيه.
وعلى هذا الأساس جادل النّاس قديماً وحديثاً في قضية الوحى والرسالة،
وجودلوا فيها.
شبهتان قديمتان للمنكرين: الاستبعاد:
والقرآن الكريم يبين لنا في كثير من آياته أن هناك شبهتيرن قديمتين يقوم عليهما دائماً إنكار المنكرين:
إحداهما: أن ذلك مستبعد أو مستحيل، إذ كيف يتصور العقل في زعمهم أن يتصل الخالق بالمخلوقين فيوحى إليهم بأمره أو كلامه؟ فالخالق له صفاته التي منها تنزهه عن المكان والصوت، والمخلوقون لهم صفاتهم التي منها أنهم محدودون قاصرون لا يستطيعون أن يتلقوا الكلام والأمر إلا من مثلهم، وقد جوبهت الرسالات الإلهية بهذه الشبهة منذ العهود الأولى، فنوح يقول لقومه: ((أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون))