/ صفحه 8/
وهكذا تتلاقى العبارة التي صُدِّر بها الكلام في هذه المواضع الثلاثة: ((وما قدروا الله حق قدره)) مع ما جاء تالياً لهما في كل موضع، ويكون هذا التلاقي على معنى واحد مشترك هو إثبات أن الله يوحى، لأنه قادر قوى، ولأنه حكيم عليم.
المناقشة في الوحي فرع الإيمان بالله:
بعد إجمال القول فيما تفيده هذه الجملة. نتبعه بشيء من التفضيل فنقول:
إن قضية الوحي والرسالة من القضايا العويصة التي شغلت الناس قديماً وحديثاً، لما لها من أهمية قصوى في حياة البشر، إذ يترتب عليها مبدأ الإيمان بالأديان، فيعترف أهل الأرض بتوجيه السماء، أو مبدأ ((اللادينية)) التي لا تعترف بهذه الصله ولا ترتبط بها وترى أن الإنسان سيد نفسه، وسيد هذا الكوكب الذي يعيش على
ظهره، لا يتلقى في شأن من شئونه وحيا إلا من عقله وتجاربه.
ومن الواضح أن هذه القضية تأتي في الترتيب العقلي بعد الإيمان بالألوهية فمن آمن بأن للوجود إلها مستحقا للعبادة متصفا بصفات الكمال والتنزيه; أمكن أن يناقَش في الوحى والرسالة، إذ الرسالة تقتضى وجود ((المرسل)) والوحي يقتضي وجود ((الموحى)) وإذا انتفى الإيمان بمصدر الوحى والرسالة، فالكلام فيهما عبث لا طائل تحته.
وقد علمنا في الفصل السابق أن الناس في قضية الألوهية صنفان: صنف جاءه الضلال من أنه أشرك مع الله آلهة أخرى، فهو معترف بالله ولكنه يرى نفسه أقل من أن يتصل به مباشرة، فهو يعبد الشركاء ليقربوه إلى الله زلفى، وصنف أبعد من هؤلاء في الضلال، وهم الذين ينكرون الإله ويزعمون أن هذا الكون وجد بدون موجد، وأنّه يسير بنفسه دون مدبّر ولا مصرف.
وعلمنا أن القرآن الكريم يثبت ((الألوهية)) بإثبات مظاهر ((الربوبية)) وأن هذا الإثبات يصلح للصنفين جميعا، فهو يصلح للذين يتخذون مع الله إلها آخر حيث يفيدهم أن الرب الذي ((خلق)) و((جعل)) ـ أي أنشأ وصرف ـ واحد،