/ صفحه 87/
مقارعة الحجة بالحجة، ولم يكن عندهم الا حجة التقليد لابائهم، كما قال تعالى في الاية -22- من سورة الزخرف: ((بل قالوا انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مهتدون)) وهى أوهى من حجة العقل التي كان يقرعهم بها، ولهذا ذمهم لعدم استعمالهم عقولهم، كما قال تعالى في الاية - 170 - من سورة البقرة:
((و اذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون.))
ولما عجزوا عن مقارعة الحجة بالحجة رموا النبى صلى الله عليه وآله وسلم مرة بالسحر، ومرة بالكذب، ومرة بالجنون، ومرة بالكهانة، وكل هذا من شأن العاجز المعاند، بل كانوا لمزيد عنادهم يقولون ما حكاه القرآن عنهم في الاية -32- من سورة الانفال: ((اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب إليم)).
ثم انتهى أمرهم بالقتال، فشروعوا السيف في وجه النبى صلى الله عليه وآله و سلم وقامت الحرب بين الفريقين، ولكنهم لم يحاربوا الا بعد أن شعروا بضعف باطلهم فاستمر شعورهم بهذا الضعف بعد حربهم، ومن يكون هذا شأنه لاتطمئن نفسه في القتال، بل يكون دائماً في خوف ورعب، لشعوره بضعف ما يحارب في سبيله، فيخاف سوء العاقبة في دنياه وأخراه، ويتملكه من الرعب والخوف من ذلك ما يتملكه.
ولم يكن هذا الشعور بالضعف خاصاً بالمشركين وحدهم، بل كان يشاركهم في التهيب من شأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أهل الكتاب من اليهود و النصارى، كما يتبين من قصة وفد نجران، فقد وفدوا على النبى صلى الله عليه وآله و سلم بالمدينة، فأورد عليهم الادلة، وأقام عليهم الحجج، ولكنهم أصروا على دينهم، فقال لهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم: ان الله أمرنى ان لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم. ثم خرج صلى الله عليه وآله وسلم الى مبالهتهم، وعليه مرط من شعر أسود، وقد احتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشى خلفه، وعلى رضى الله عنه خلفها. قم قال لهم: اذا دعوت فأمّنوا. فلما رآهم أسقف نجران