/ صفحه 86/
واما عند الجدال والمحاجّة، وقوله تعالى: ((سنلقى في قلوب الذين كفروا الرعب)) لا يقتضى وقوع جميع أنواع الرعب في قلوب الكفار، وانما يقتضى وقوع هذه الحقيقة، ولو من بعض الوجه دون بعض.
فصريح هذه الاية أن القاء الرعب في قلوب الكفار لم يكن بسبب تسليطه للنبى صلى الله عليه وسلم على الناس بسيف أو نحوه من آلات الحرب، وانما كان لان أولئك الكفار أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، والسلطان ههنا هو الحجة و البرهان، لان السلطان في اللغة هوالحجة، وانما قيل للامير سلطان لان معناه ذو الحجة، وقيل انه مأخوذ من السليط وهو الذي يضاء به، وقيل ان السلطان هو القدرة بناء على أخذه من التسليط، لان في البرهان سلطاناً لقوته على دفع الباطل
قال الفخر الرازى: وتقرير هذا بالوجه المعقول هو أن الدعاء انما يصير في محل الاجابة عند الاضطرار، كما قال: ((أم من يجيب المضطر اذا دعاه)) ومن اعتقد أن لله شريكاً لم يحصل له الاضطرار، لانه يقول: ان كان هذا المعبود لا ينصرنى فذاك الاخر ينصرنى، وان لم يحصل في قلبه اضطرار لم تحصل الاجابة ولا النصرة، واذا لم يحصل ذلك وجب أن يحصل الرعب والخوف في قلبه، فثبت أن الاشراك بالله يوجب الرعب.
والامر أسهل من تكلف هذا الدليل المنطقى الذي يسوقه الفخر الرازى، وانما ذلك الرعب لما جاء به النبى صلى الله عليه وآله وسلم من الحق في أصول الدين و فروعه، وأن الاسلام دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فكانت هناك حرب معنوية بين هذا الحق الذي جاء به الاسلام، وبين الباطل الذي كان عليه أعداؤه، و هذه الحرب المعنوية هى التي كانت تثير الرعب في قلوب الكفار، لان الباطل لا يقوى أمام الحق، بل يضعف ويزهق، كما قال تعالى في الاية -81- من سورة الاسراء: ((و قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقاً))
والحقيقة أن أعداء الاسلام حينما بدأهم بالدعوة بالحجة والبرهان عجزوا عن