/ صفحه 85/
ولا نجاوزه إلى سبب آخر نخترعه من أنفسنا، ولا سيما اذا كان يسىء الى الاسلام ويشوه محاسنة بين الناس، ويجعلهم يفهمون أنه دين يأخذ بالشدة،و يثير بينهم الرهبة، فلا تكون الحياة فيه حرة كريمة، وانما تكون حياة رعب وخوف.
وقد جاء بيان ذلك السبب في قوله تعالى في الاية - 151 - من سورة آل عمران ((سنلقى في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً و مأواهم النار وبئس مثوى الظالمين)) وقد نزلت هذه الآية في غزوة أحد، ولهذا ذهب كثير من المفسرين الى أن هذا الوعد بالقاء الرعب في قلوب الذين كفروا خاص بها، لان جميع الايات المتقدمة على هذه الاية واردة في هذه الغزوة، وذلك أن الكفار استولوا على المسلمين فيها وهزموهم، فأوقع الله الرعب في قلوبهم حتى تركوا المسلمين من غير سبب، وفروا منهم بعد أن هزموهم، ولو لا هذا الرعب الذي ألقاه الله في قلوبهم لثبتوا ولم يفروا الى أن يقضوا عليهم، وقد روى أنهم لما كانوا في طريقهم الى مكة بعد أن فروا ندموا على تركهم للمسلمين، وقالوا: ما صنعنا شيئاً، قتلنا الاكثرين منهم، ثم تركناهم ونحن قاهرون، ارجعوا حتى نستأصلهم. فلما عزموا على هذا ألقى الله الرعب في قلوبهم، فمضوا في طريقهم الى مكة ولم يرجعوا اليهم.
والحق أن ذلك الوعد غير خاص بيوم أحد، بل هو عام في جميع الاوقات، و لجميع الكفار، لان ما ذكره له من سبب لا يختص بوقت دون وقت، ولا ببعض الكفار دون بعض، وقد قال القفال رحمه الله: كأنه قيل انه وان وقعت لكم هذه الواقعة في يوم أحد، الا أن الله تعالى سيلقى الرعب منكم بعد ذلك في قلوب الكافرين، حتى يقهر الكفار، ويظهر دينكم على سائر الاديان، وقد فعل الله ذلك، حتى صار دين الاسلام قاهراً لجميع الاديان والملل.
وقد ذهب جمع من المفسرين الى أن ذلك الرعب خاص بأولئك الكفار، ولكن ظاهر الاية يفيد العموم، والحق اجراؤه على ظاهره كما سبق، لانه لا أحد يخالف دين الاسلام الا وفي قلبه ضرب من الرعب من المسلمين، اما في الحرب