/ صفحه 78/
وعلى هذا المقياس الحاضر فانه يحقر النوعين: خبيث الفرع سواء أطاب أصله أم خبث، ويحفل بالنوعين الاخرين: طيب الفرع أطاب أصله أم خبث، فالنوعان الاولان في المجتمع من الجراثيم الفتاكة التي يفر منها خيفة ايذائها، واذا داهنها في الخلاط فانه يرائيها تقية شرها بينما يتربص بها الدوائر ويكن لها البغضاء، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((انا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم)).
أما النوعان الاخران فهما مناط الامل للمجتمع ومهبط الرجاء فيه، فطيب الاصل والفرع جدّ قديمه وحديثه، وطيب الفرع غطت مآثره مآسى سلفه ((ان الحسنات يذهبن السيئات)) والناس أبناء يومهم لا أمسهم ولاغدهم. على أن هذين النوعين ليسا سواء عند ذوى الخبرة في الاحتفاء بهما، فمن نصر قديمه لم يرهق بالتكاليف الشاقة وانما أضاف مجداً الى مجد، ومن خذله قديمه كدح وكد وسعى سعيه وناضل وحده حتى أوفي على الغاية، فذاك متبع وهذا مبتدع، وليس التشييد كالتأسيس، فالتأسيس أثر قوة الحزم، وصدق العزم.
لكريم النفس أبى الضيم:
ان الكريم وأبيك يعتمل * * * ان لم يجد يوماً على من يتكل
كان كثير ممن واتاهم القدر في طيب المحتد يأبون احتماءهم بهذا المستند العالى و يأنفون من تدثرهم بالحلل المستعارة منه، مزهوين بحللهم نسيج أيديهم لا غير.
ومن هؤلاء على سبيل المثال: عامر بن الطفيل العامرى الذي مكن له ما لم يمكن لغيره، حتى أطمعه جبروته ألا يسلم حتى يشاطر المصطفى صلى الله عليه وسلم فضل ربه عليه، أو يبرم فيه ما انطوت عليه نفسه الشريرة من جرم تناجى به مع أربد بن قيس العامرى أخى لبيد بن ربيعة لامه، فلما وفدا الى الرسول قال له عامر: يا محمد مالى ان أسلمت؟ قال: لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين، قال: تجعل لى الامر من بعدك، قال: ليس لى ذلك، انما ذلك الى الله تعالى يجعله حيث يشاء، قال: فتجعلنى على الوبر وأنت على المدر، قال: لا، وانقضى