/ صفحه 45/
والذي عرض لذلك باستيعاب، كتابٌ الفصل في الملل والنحل لابن حزم ـ فقد رد على الملل والنحل المختلفة، وكتاب ابن تيمية في الرد على النصارى وهو في الحق كتاب نافع يقرؤه المرء فيعتقد أن مؤلفه كان خبيرا بمذاهبهم وطقوسهم وخفايا
دينهم، يعرضها عرضاً جلياً، ثم يكر عليها بالنقض والابطال، ومثل ذلك كتاب إظهار الحق لرحمة الله الهندي.
ولا أقول إن ما ألف في الرد على الملل المختلفة هو ذلك فحسب إنما أقول إنه قد ألف غيرذلك ولكنه بلغ من القلة إلى حد أنه لم يتداول منه إلا هذا القليل أما كتب جدال الفرق الاسلامية بعضها بعضا فلا تكاد تحصى حتى إنك تجد كتابا ككتاب الحيوان للجاحظ ـ وهو في غير علم الفرق والديانات ـ يعرض لبعض هذه المناظرت.
ومن ألفوا في الرد على الفرق لا يكادون يحصون، منهم الإمام أحمد بن حنبل رد على الجهمية وابن جرير الطبرى، وابن قتيبة، والأشعرى له كتاب مقالات الإسلاميين والإبانة، والمعتزلة لهم كتب في الرد على غيرهم كالانتصار لابن القصار. وكتب الكلام مشحونة بالرد على الفرق كالمعتزلة والمجسمة، واقرأ في ذلك المواقف وتهذيب المنطق والكلام لسعدالدين التفتازاني والمقاصد له والعقائد النسفية والمحصول للرازي والأربعين في أصول الدين، حتى ان بعض كتب التفسير والحديث شغل فيها واضعوها بالرد على الفرق كالتفسير الكبير لفخر الدين الرازي شحنه مؤلفه بالرد على المعتزلة وغيرهم من الفرق. وكتاب الكشاف لجارالله محمود ابن عمر الزمخشري قد نصر فيه صاحبه أراء المعتزلة، وحمل آيات القرآن على مذهبه.
كل ذلك يدل على أن كتب المناظرات والمجادلات منشؤها الحاجة، ولم تكن الحاجة ملحة كثيراً إلى مجادلات الملل لسقوط مقاومتهم، ولكن الحاجة كانت شديدة لمناظرات الفرق الإسلامية لأن المقاومة انصرفت إلى الداخل فنشأت الفرق واحتيج فيها إلى المناظرة والجدال فألفت الكتب الكثيرة في مناظرات الفرق والرد على آرائها ومذاهبها.