/ صفحه 46/
نعم إن فلسفة اليونان ترجمت إلى اللغة العربية، وانتشرت واعتنقها نحلةً بعضُ المسلمين، ورأى فيها علماء المسلمين خطرا عظيما على الدين، فانتهض قوم لمناهضتها والرد عليها، وانتهض آخرون للتوفيق بينها وبين الدين، ومن القبيل الأول أبوحامد الغزالي درس الفلسفة حتى حذقها، وألف فيها كتاب مقاصد الفلاسفة، ثم رد عليها في كتاب تهافت الفلاسفة، ومن القبيل الثاني ابن رشد الحفيد درس الفلسفة الإغريقية بعامة وفلسفة أرسطو بخاصة، فأتقنها وألف فيها ولخص كتب أرسطو وشرحها، ولم يكن تلخيصاً فحسب، بل كان تصحيحاً لما علق بها من أخطاء الناسخين، وبيانا لمراد الفيلسوف منها الذي استعجم واستبهم، وقد لخص كتاب الكون والفساد والسماء والعالم وكتاب النفس وكتب أرسطو المنطقية الثمانية حتى كتاب البرهان والخطابة، والشعر والجدل والسفسطة.
وإن من يشتغل بالفلسفة لايجد معيناً له مثل ابن رشد حتى ليخيل إلى دارس الفلسفة أنه لم يفهم أرسطو مثلُ ابن رشد من عهد أرسطو إلى الآن.
وقد حاول ابن رشد الجمع بين الدين الإسلامي والفلسفة، فألف في ذلك كتاب فصل المقال فيما بين الحقيقة والشريعة من الاتصال، وألف كتاب تهافت التهافت في الرد على الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة، وكان إذا ما غضب وظن أن الغزالي يتجنى على الفلاسفة فثأنار غضبه بقوله: ما أحرى هذا الرجل أن يسمى كتابه ـ التهافت ـ بإطلاق.
وكان إذا رأى الغزالي يتنقل في المذاهب المختلفة يتمثل بقول الشاعر:
يوما بحزوى ويوما بالعقيق وبالشَّآم يوما ويوما بالخليصاء
أو بقوله:
يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن * * * وإن لقيت معدياً فعدنانى
* * *
مما تقدم كله نعلم أن الخلاف والحجاج وليد الحاجة وأن عوامل طبيعية تدعو إلى الاجتماع وعدم الفرقة وعوامل أخرى تدعو إلى الانقسام والفرقة