/ صفحه 432/
تارة أخرى، بل إن دهشتي كانت أعظم عند ما رأيت في ميناء روان في شمال فرنسا البواخر لا تأتي بالزيت فحسب بل أيضا بالنبيذ الذي صنع في الجوائز ومراكش، وقد كنت أعتقد أن غالبية هذه الكروم من بلادهم، فلما نزلت في ميناء روان تحت الارض ورأيت هذه البحور من النبيذ ترغ من المراكب الضخمة وتنتظر المضخات لترفع بها إلى القطارات واللواري الذاهبة إلى باريس، أدركت أنها من نتاج هذا الفلاح المسكين من إخواننا سكان شمال أفريقيا: يزرع العنب ويحوله لهم في بلاده إلى نبيذ فينقل إلى روان وغير روان بحوراً في الميناء، يحوله لهؤلاء الأقوام التي تسكن أوربا ـ هؤلاء الذين يعيشون على كد غيرهم من الشعوب.
وفي مصر توجد العادن وأهمها الحديد يتمركز في أسوان قريباً من الخزان، وفي الواحات في الصحراء الغربية، وفي القصير وفي سينا في الصحراء الشرقية، وهو لا ينظر إلا سواعد المصريين حيث يصيروه حديداً مصنوعا كما صيره الأمريكان والأوروبيون.
وفي وادي النيل الفسيح في مصر والسودان توجد المعان الأخرى اللازمة للصناعات المختلفة حتى الفحم، بل ويوجد اليورانيوم والتوريوم، تلك المواد المشعة الطبيعية توجد في مصر في الفوسفات قريبا من سفاجة وفي الرمال السوداء عند مصب النيل، ولا أشك أنها موجودة في غيرها من الأماكن الكثيرة في البلاد العربية، وما على المهندسين والعلماء إلا أن يلتمسوا ذلك فوراً بطائرات الهيلوكبتر وجهاز عداد جيجر وميلر التي يستخدمها الآن في البلاد الأخرى شباب أقل من الكثير منا علماً ودراسة.
حتى الطبيعة حبتنا بمناخ صالح وسخرت لنا رياحا مناسبة، فالشمس لا تنقطع عن ودياننا، وفي الطاقة الشمسية المنعفة والخير، ومن الممكن في المستقبل القريب أن نسخرها لإدراة آلاف الرفع الصغيرة، بل وأفران الطبخ التي نرجو أن تنتشر في كل منزل وكوخ وفي كل قرية، وإذا تأملنا نهر النيل ونظرنا إلى هذا العدد العديد من المراكب الشراعية التي تجوبه في مصر، وهو يربى على الاثنى