/ صفحه 424/
قالوا: اللهم، نعم، قلت: وصنعت عزة بكثير مثل صنيع بثينة فقال كثير:
هنيئاً مريئاً غير داء مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت
فما أنا بالداعي لعزة بالجوى ولا شامت إن نعل عزة زلت
قالوا: صدقت.
قلت: وليس في هذا الشعر إلا جودة الصنعة، ومناسبة المعني للغرض، وبذلك فخر به كثير على جميل، ولكن لم يقل له، إنني أصدق منك هوى، بل قال: إنني أغزل منك؟ وشتان بينهما، وطالما فضل جميل كثيراً بما هو أدل على الحب الدفين، وألصق بالهوى العذري.
فليس شيئا ما يراه بعض النقاد من أن كثرة الشعر من الشاعر في غرض من الأغراض مع التجويد دليل صدق العاطفة، فإني لأظن إن بعض شعرائنا مرن على أن يجود في غرض خاص، فإذا تجاوزه أسف، وهذا وإن دل على ضيق الأفق لكنه لا يدل على ضعف الشاعرية، وقد كان من الشعراء الفحول في القديم من اقتصر في حياته على غرض واحد، كالعباس بن الأحنف، ولكن شعره كان ـ عن طبع ـ ولم يكن عن صنعة.
ومن أدلة التقليد في شعر ناشئتنا، هذا الشعر الديني، فنحن نخالطهم ونتعرف سلوكهم، فنجد ابتعاداً عرفا عن الأخلاق، وعن الدين وفضائله، ثم نفاجأ في بعض المناسبات بقصائد دينية، ولكن من الإنصاف أن نذكر أنهم يدعون إلى القول في المناسبات الدينية كذكرى الهجرة، وغزوة بدر، والمولد النبوى، فهم لا ينظمون فيها عن رغبة صادقة فليس بعجييب ـ حينئذ ـ أن نعلم أن شاعراً نظم قصيدة من هذه القصائد، وهو ثمل يترنح من الخر، وكذلك ألقاها، ولكن العجيب أن يؤكد كاتب (إن الشعر العربي سيكون صيحة الميدان المبشرة بارتفاع للإسلام لا نظير له) ذلك أننا نجد شعراءنا أقرب إلى التحلل من الدين وأميل إلى الاستهانة بمقدساته، ولقد قرأت كثيراً من هذا الشعر الذي ينفر الرجل الجاد عن سماعه، بله الرجل المتدينن وإن روايته وحدها جرم كبير، ولكن لا بأس أن