/ صفحه 423/
الشمس والقمر، والكواكب الأخر، إني لأشك كثيرا في صدق هذه العواطف ويبدو لي أن هذا الاتجاه في شعراء الشباب عامة ليس مرجعه إلى صدق الشعور عند الجميع، وإنما مرجعه التقليد، فهم يرون الروائع من الشعر العربي القديم، والروائع من الشعر الغربي، وكثير منها يتصل بهذه العواطف، فيظنون أن الشاعر لن يكون شاعراً حتى يردد هذه المعاني، وحتى يقول في التشبيب وإن لم يكن محباً وأن يصور هجر صاحبته وصدها، وما خلفت على كبده من لاذع الجمر، وصاحبته بين يديه غير هاجرة ولا مدلة، وإنما هي طوع بنانه، ومن هنا يظهر التزوير في الشعور فيظهر التزوير في الشعر، فيجئ متكلفا باردا.
ولقد اشتهر بيننا أمر صديق أحب وأوشك ـ كما فهمنا ـ أن يوفي به حبه على الهلاك، فكتبت إليه مرة أهون عليه الأمر، وأدعوه إلى أن يوفر جهده على درسه وعلى مستقبله، فكتب إليّ يقول: " كتبت إلى تسائلني هل من دليل على أن هاتيك تحبك؟ وما كنت أحسب أنك إلى اليوم تحتاج لأن تفهَّم أنها ذات رغبة في عقلية، وأنني ذو رغبة فيها عاطفية، وأنها حاولت أن تفهمني أن رغبتها وحي القلب، وحاولت أن أفهمها أن رغبتي وحي الحب، وكان كل منا كاذبا ".
وليست كثرة الشعر الغزلي شاهداً على أن صاحبه صادق الشعور، فمن المعروف أن كثير عزة صاحب التائية الرائعة، والأشعار الغزلية الأخرى الرقيقة لم يكن محباً مخلصاً، ولكن راوياً كبيراً من رواة الكوفيين يثبت أنه كان صادق العاطفة ببيتين قالهما، وينفي ذلك عن جميل بن معمر العذري الصادق الصبابة، روى أن المفضل الضبي خرج حاجا فأتاه أهل المدينة فأجمعوا على أن جميلا أشعر من كثير قال المفضل فسلمت، علما بأن جميلا شاعر أهل الحجاز، ثم أجمعوا على أن جميلا أعشق من كثير، وكنت أميل إلى كثير فقلت فأنا أذكر لكم أن كثيراً أعشق من جميل قالوا فباسم الله ـ إذن ـ قلت: ألستم تعلمون أن بثينة شتمت جميلا فبلغه ذلك فقال:
رمى الله في عيني بثينة بالقذى وفي الغر من أنيابها بالقوادح