/ صفحه 42/
ويجحدون كل ترابط ثقافي، ويلعنون كل اتصال يؤدى إلى التعارف، ويحرصون على البقاء في أبراجهم العاجية وسط أوهامهم وظنونهم، ويتناسون أنهم في عصر أبرز مظاهره سرعة المواصلات واتصال أجزاء العالم بعضها ببعض، ويتجاهلون أن
البشرية لم تعد تكتفي بالتعرف على ما في كرتنا الأرضية، بل إنها تتطلع إلى اكتشاف في الأقمار والنجوم.
فهل يصح في مثل هذا العصر أن يقف جامدٌ في وجه التطور، ويأخذ علمه عن الطوائف من قصص أشبه ما تكون بالأوهام والخرافات.
أن المتزمتين ـ ومن حسن الحظ أنهم قلة في كل شعب ـ من دأبهم أن ينفروا مما لم يألفوا، وأن يقفوا في وجه مالم يعرفوا، وأن يحتفظوا بقديمهم لأنه تغلغل في نفوسهم فهم لا يرضون به بديلا، ولا يطيقون له تحويلا، كما أن من دأبهم أن يتلمسوا الأوهام في المعارضة إذا لم تسعفهم الحقائق. أليسوا يصرون إصرارا عجيباً على أن التقريب محاولة لإدماج مذهب في مذهب، أو تغليب مذهب على مذهب، على الرغم من أن كل صوت من أصوات التقريب، وكل نشاط يصدر عن التقريب ينادى بغير ذلك؟.
إن التقريب لأسمى من هذا وأجل شأنا، إنه ـ على العكس مما يتخيلون أو يريدون أن يخيلوا للناس ـ ينادى بوجوب أن تبقى المذاهب، وأن يحتفظ المسلمون بها، فهي ثروة علمية وفكرية وفقهية لامصلحة في إهمالها ولا في إدماجها، لكن شتان بين هذا وبين إيجاد جو من الهدوء والثقة والصفاء بين المسلمين يرتفعون به عن الضغائن والجدل العقيم، ويتفرغون بسببه إلى ما هو أولى بهم من مشاركة الركب العالمى، بل من قيادة هذا الركب وتوجيهه لو استطاعوا.
ذلك ما يريده التقريب. وإن القافلة تسير، تسير مع ركب الحضارة والعلم الصحيح، تسير مع التطور إلى الحق ونحو الحق، إنها في الواقع تسير إلى الله، وإن الله معنا ((قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين)).