/ صفحه 412/
فمقتضى هذا الحديث أن للمشتري أن يرد، وعليه في هذه الحالة أن يدفع للبائع صاعا من تمر، سواء أكان اللبن قليلا أم كثيراً، وأن اللبن لا يرد للبائع كأن التمر بدل منه.
وثبوت الخيار بالتصرية بين الرد والإمساك هو مذهب الجمهور، وبه قال عبد الله بن مسعود، وابن عمر، وابو هريرة، وأنس، والشافعي، ومالك، والليث، وابن أبي ليلي، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، وزفر، أخذاً بهذا الحديث.
وقال ابو حنيفة: لا يثبت بذلك خيار، لأن نقصان اللبن ليس بعيب، ولهذا لو وجدها ناقصة اللبن عن أمثالها لم يثبت له الخيار.
ولذلك يرد كثير من الحنفية هذا الحديث، ولا يثبتون الرد بالتصرية، ولا يوجبون رد الصاع من التمر، لأن هذا يخالف الأصول الفقهية في نظرهم، من جهات:
من جهة أن اللبن ضمن فيه بالتمر ـ والتمر ليس مثليا ولا قيمياً للبن، والقاعدة أن ضمان المثليات يكون بمثلها، والقيميات بقيمتها.
ومن جهة أنه قد حدد قدر الضمان بالصاع ولم ينظر إلى كمية اللبن، والقاعدة عندهم أن الضمان إنما يكون بقدر التالف.
ومن جهة أن اللبن ضمن فيه بالتمر مع بقائه، والقاعدة أن الأعيان إنما تضمن عند هلاكها (2).
والشيعة الامامية يرون التصرية من قبيل التدليس، وإن لم تكن عيبا، ويقولون: إذا ردها رد معها اللبن الذي احتلبه منها، ولو فقد دفع مثله، ويعتمدون في ذلك على خبر آخر رواه أبو داود في سننه " كتاب البيوع، الباب 46 " وهو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " من ابتاع محفلة (3) فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن

ــــــــــ
(1) الإحكام لابن حزم ج 2 ص 132.
(2) راجع نيل الأوطار للشوكاني ص 216 ج 5 طبع المطبعة العثمانية، وأعلام الموقعين لابن قيم الجوزية ص 125 ج 2، ثم تذكرة الفقهاء للحلي الامامي ص 366 ج 7 وفيها رأي الامامية.
(3) هي المصراة، وسميت محفلة لأنه جمع فيها اللبن، ولهذا سمى اجتماع الناس محافل.