/ صفحه 411/
فإنه حديث مفتعل لا يصح، لأن البصرة فتحها وبناها ـ سنة أربع عشرة من الهجرة ـ عتبة بن غزوان المازني ـ بدري مدني ـ ووليها بعده المغيرة بن شعبة، وأبو موسى، وعبد الله بن عامر، وكلهم مدنيون، ونزلها من الصحابة أزيد من ثلاثمائة رجل، منهم عمران بن الحصين، وأنس بن مالك، وهشام بن عامر، والحكم بن عمرو، وغيرهم، وفتحت أيام عمر بن الخطاب، وتداولها ولاته، إلى أن وليها ابن عباس بعد صدر كبير من سنة ست وثلاثين من الهجرة فلم يكن في هؤلاء من يخبرهم بزكاة الفطر، بل ضيعوا ذلك وأهملوه، واستخفوا به أو جهلوه مدة أزيد من اثنين وعشرين عاما: مدة خلافة عمر بن الخطاب، وعثمان رضوان الله عنهما، حتى وليهم ابن عباس بعد يوم الجمل؟ أترى عمر وعثمان ضيعا إعلام رعيتهما هذه الفريضة؟ أترى أهل البصرة لم يحجوا أيام عمر وعثمان، ولا دخلوا المدينة فغابت عنهم زكاة الفطر إلى بعد يوم الجمل؟ إن هذا لهو الضلال المبين، والكذب المفترى، ونسبة البلاء إلى الصحابة رضوان الله عليهم، إن هذا الخبر ما يدخل تصحيحه في عقل سليم، وما حدث الحسن ـ والله أعلم ـ بهذا الحديث إلا على وجه التكذيب له، لا يجوز غير ذلك (1).
ولا شك أن هذا نقد جيد يدل على تعمق في البحث، وطول باع.
ومن ذلك موقف الحنفية من الحديث المعروف بحديث " المصراة " (1)، وهو ما روى عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " لا تصروا الابل والغنم، فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعا (2) من تمر.
ــــــــــ
(1) المصراة: هي الدابة التي ربط ضرعها ليجتمع اللبن فيه، من قولك: صريت الماء في الحوض ـ بتخفيف الراء المفتوحة وتشديدها إذا جمعته ـ والبائع يفعل ذلك ليوهم المشتري أن لبنها كثير، غشا له.
(2) الصاع مكيال قديم قدر بقدحين وثلث قدح.