/ صفحه 402/
فهذا كما ترى ظاهر الأمر في فقره إلى فضل الرفق به والنظر، ألا ترى أنه لا يفهمه حق فهمه الا من له ذهن ونظر يرتفع به عن طبقة العامة …
فأما ما كان مذهبه في اللطف مذهب قوله: هم كالحلقة، فلا تراه إلا في الآداب والحكم المأثورة عن الفضلاء وذوى العقول الكاملة )) (1).
وقد قلد الشيخ عبد القاهر في نسبة التشبيه لكعب الأشقري المبرد ومن معه ولكن الخطيب القزويني لا يتابعه في هذه النسبة، بل ينسبه ـ كالزمخشري ـ إلى (( الأنمارية )) وهاك حديث الخطيب في الإيضاح:
ذكر الخطيب في مبحث التشبيه أيضاً بعد أن قسم وجه التشبيه المجمل إلى ظاهر وخفى ـ القسم الثاني قائلا: (( ومنه خفى لا يدركه إلا من له ذهن يرتفع به عن طبقة العامة، كقول من وصف بني المهلب للحجاج لما سأله عنهم، وأن أيهم أنجد؟: كانوا كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها؟ أي لتناسب أصولهم وفروعهم في الشرف يمتنع تعيين بعضهم فاضلا وبعضهم أفضل منه؟ كما أن الحلقة المفرغة لتناسب أجزائها يمتنع تعيين بعضها طرفا وبعضها وسطاً. هكذا نسبه الشيخ عبد القاهر إلى من وصف بني المهلب، ونسبه الشيخ جار الله العلامة إلى الأنمارية، قيل هي فاطمة بنت الخرشب، سئلت عن بنيها أيهم أفضل؟ فقالت عمارة، لا بل فلان، لا بل فلان، ثم قالت ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل؟ هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها )).
تلك الدقة من القزويني لا تعود إلا بالإرشاد إلى الصواب في معرفة المبتكر لهذا التشبيه، ولا أثر لها من جهة الحكم على نوع التشبيه، فإنه متفق مع الجرجاني فيه.
ولئن ذكره الجرجاني في أقسام التمثيل إنه يعده من حيث وجه الشبه مجملا كما قال القزويني، ولئن حسبه القزويني من أضرب المجمل إنه ليجعله تمثيلا، فهما ملتقيان في الأمرين: كونه تمثيلا وكونه مجملا إذ لا تنافي بينهما، فالتمثيل منظور فيه إلى معنى وجه الشبه، والإجمال مراعى فيه ذكر الوجه وعدم ذكره، فلا أثر

ــــــــــ
(1) أسرار البلاغة ص 74، 75 طبع دار الكتاب العربي.