/ صفحه 399/
في المجادة ورفعة الشأن التوافق بينهما في التنكيل بهما من الخلفاء ومحاولة استئصال شأفتيهما من الوجود، لكنهما بعد النكبتين النازلتين بهما اختلف مآلهما، فإن المالبة بعد ما حل القضاء بهم كاد نسلهم يختفي من الدنيا وإن لم تنس مآثرهم، والبرامكة استعادت ذريتهم ماضيهم وولى من حفدتهم بعض الأمصار والوزارات في الدولة العباسية. وسنعرض لهذه المعادلة قريباً عند المناسبة.
فإننا الآن بصدد الحديث عن المهالبة والتنويه بقدرهم، ولهذا أرى لزاما أن نذكر قصة تلتمس منها الأسباب التي هيأت للمهالبة هذه المكانة المرموقة حتى تبوأ يزيد عرش العراق، ونقف منها على مدى قوة المهالبة في البأس والنجدة والحزم عند اشتداد الهول واحمرار الخطب وتشمير الحرب عن ساقها، فما يعترف به التاريخ الصادق أن المهالبة صدوا سيل الخوارج العرم الذي تزلزل منه بناء الدولة الأموية، ولولا هم لا تنقض بناؤها، وبعد الانتهاء من هذه القصة نفرغ للحديث عن يزيد المقصود لنا بالذات إذ هو مثار تألب المضريين: عوام، وخواص: شعراء وأدباء على اليمنيين.
المهالبة:
في غمرات الهيجاء بين جيش الجماعة بقيادة المهلب والقوى المتكاتفة من الخوارج بزعامة قطري بن الفجاءه المازني ثم عبد ربه الكبير، أرسل المهلب كعب بن معدان الأشقري إلى الحجاج الثقفي والى العراقين يوقفه على جلية الأمر ويعرض عليه صورة الأحداث والغارات المتتابعة، فتوالت الأسئلة من الحجاج عن المهلب وبنيه وعن جيش المسلمين وعن عامتهم، وتلتها الإجابات من كعب بما يملأ النفوس إعجابا بمواقف البطولة من المهالبة مع كمال شيمهم في مناحي الحياة العامة والخاصة بين ظهراني المتصلين بهم عن قرب وعن بعد، وهذه القصة رويت بروايات يختلف بعضها عن بعض لكنها تتلاقي في نهايتها على وصف المهالبة بالمحامد والمكارم، وسنعمد إلى رواية المبرد روما للإختصار وجنوحا منا إلى رجحانها على ما عداها مع إردافها بالتنبيه إجمالا إلى المصادر الأخرى الموافقة لها في رسول الحجاج والمخالفة لها فيه.