/ صفحه 398/
فألزمه عقل القتيل ابن حرة وقال حبيب إنما كنت ألعب
فقال زياد لا يُرَوَّع جارهُ وجارة جاري مثل جاري وأقرب
قال: فحمل حبيب إليه ألف دينار على كره منه، وشرب معه ثانية فعربد عليه حبيب وقد كان مضطغنا عليه فشق قباء ديباج كان عليه، فقال:
لعمرك ما الديباج خرقت وحده ولكنما خرقت جلد المهلب
فأحضر المهلب حبيباً وقال: صدق زياد ما خرقت إلا جلدي تبعث على هذا فيهجوني، وأمر لزياد بمال وصرفه) (1).
فما كاد بنو المهلب يبلغون مبلغ الرجال حتى ملئوا العيون وتكونت منهم قومية، عنت لها جباه البغاة، وخمدت لها نيران الفتن، وفاضت عطاياهم في ظلال الاستقرار والأمن، فازدهرت بلاد المشرق بمآثرهم، إذ كانوا في الدولة المروانية كما كان بعدهم البرامكة في الدولة العباسية، قال ابن خلكان: " وأجمع علماء التاريخ على أنه لم يكن في دولة بني أمية أكرم من بني المهلب، كما لم يكن في دولة بني العباس أكرم من البرامكة والله أعلم، وكان لهم في الشجاعة أيضاً مواقف مشهورة " (2).
ولذلك يقول بعض المادحين من شعراء الحماسة:
نزلت على آل المهلب شاتياً بعيداً عن الأوطان في الزمن المخل
فما زال بي معروفهم واقتفاؤهم وإلطافهم حتى حسبتهمو أهلي
والشيء العجاب أن يفوز في هاتين الدولتين العظيمتين في الاسلام بالذكر الحسن والثناء المستطاب المهالبة والبرامكة، والأولى غير عدنانية والثانية غير عربية، ورجالات الدولتين على كثرة عديدهم وقوة البأس فيهم ووفرة النعيم لديهم في قبائلهم المنتشرة لا يسجل لهم ما للوافدين عليهم من خوالد المحاسن التي طاربها أولئك.
على أننا بعدئذ إذا عدلنا بين المهالبة والبرامكة فإنا نرى بعد هذا التوافق
ــــــــــ
(1) الأغاني ترجمة زياد ج 14 ص 100 (( ساسي )).
(2) وفيات الأعيان ترجمة يزيد بن المهلب ج 5 ص 326 مطبعة السعادة.