/ صفحه 368/
وكثيراً ما نجد اختلافا في أكثر الشئون في أية وجهة سواء في المآكل والملابس والأزياء والآراء، ويوجد فيهما حماة للقديم وحماة للجديد (1) ولا نجد أي مشاغبة بينهما مع اختلافهما في تلك الشئون، بل ولا موجدة من أحدهما على الآخر، ونجد الأمر كذلك في المباحث العلمية والفلسفية، فليس من اللازم على من يتخذ رأياً في الفلسفة ويروق في نظره أن يقوم بهدم ما سواه بكل قوة وجهد، مصطحباً ذلك بالشتم والسباب، فيكون ذلك انحرافا عن الشايع بين أصحاب النظريات والآراء والمعتقدات في مناظراتهم.
وهنا نصل إلى نقطة واحدة تتركز فيها الأهداف الاصلاحية فيما نحن بصدده وهو أن يكون الامامي مثلا على رأيه في المبادئ والفروع حسبما تصل إليه فكرته ويهدي إليه دليله، والشافعي مثلا على رأيه كذلك حسبما تأدى إليه نظره، وكذلك سائر الفرق، ثم لا يمنع ذلك من الاستدلال النزيه عن شوائب الأغراض بآراء فريق آخر والإدلاء برأيه، كل ذلك غير مصحوب بما يتعدى فيه عن حريم الأدب والنزاهة (2)، وكم لها من نظير في المسائل والمشاكل العلمية، فترى أحدهم يقتنع بما يقيم في موقفه إزاء خصمه من الدلائل ويبذل قصارى جهده في تدعيم دلائله بما يسوق الخصم إلى القبول، بينما نجد من بعض هؤلاء من لا يتعب نفسه في إقامة الدليل لإقناع خصمه، بل يكتفي بما يناله لسانه وقلمه من الشتائم بما لا يلائم نهج المناظرة، ولا شك أن الطريقة الأولى أقرب إلى النجاح من الأخرى التي تبعد عن المرمي كل البعد.
وهناك أمر آخر يقرب من التقريب في الأهداف التي يتوخاها دعاة الفكرة ويقع في الدرجة الأولى من الأهمية، بل هو كالدعامة له، وبه ينقطع كثير من المنازعات التي تقع بين الفريقين ألا وهو (التعريف) أي التعريف والبيان لكل فريق بما يعتقده الآخرون، فقد حدث كثيراً أن أحد الخصوم يقوم بهدم النظرية

ــــــــــ
(1) لعلنا نلم بهذا الخلاف بين القديم والجديد في عدد آخر.
(2) كالطريقة التي اتخذها العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين في المباحث المختلف فيها بين الفريقين.