/ صفحه 367/
باستحالته مهما كان القائمون به مولعين بتحقيقها، في حين أن هذا الزعم لا نصيب له من الحقيقة، وبمعزل عن الصواب، وإن بين ما يحاول زعماء التقريب وما يراه بعض ذوى الأغراض أو غير المتعمقين، من أنهم يحاولون توحيد المذاهب بوناً شاسعاً ومسافة بعيدة، وذلك ما أوجد فينا رجالا لا يحبذون الفكرة بحجة أنها تحاول توحيد المذاهب، وذلك ما لا يستطاع ولا يصلح لحال الأمة ولا يلائم نزعاتها، ويكون عبارة عن إبداع أمر ثالث يغاير آراء كلا الفريقين، ويجعلهما يتفقان على دحضه أو على الأقل على عدم الاعتناء بشأنه، ونحن أيضاً ممن يضمون صوتهم إلى أصوات هؤلاء ونقول: عبثاً يحاول من يعمل لتوحيد المذاهب واصطناع فكرة ثالثة واسطة بين هذا وذاك، فإن ذلك ما يتبرأ منه كلا الفريقين كما يتبرأ منه أصحاب التقريب أنفسهم، ويبتعد عنه دعاة الفكرة (1).
وكثيراً ما يقرع سمعنا نعرات من مخالفي التقريب أنه أيهما يريد؟ جعل الشيعة سنة وهو ما يتبرأ منه الفريق الأول، أو السنة شيعة وهو ما يتبرأ منه الآخرون؟ فبأي شيء يحصل التقريب، وفي الحق أنه لا يروم شيئاً من ذلك، بل يبتعد عنه كل البعد، وإن أولئك الذين ينسبون أمثال تلك المزاعم هم المخالفون لسد هذه الهوة الواسعة بين الفريقين، تلك التي جرت عليهم الويلات، وجعلتهم ألعوبة في يد الأقوياء.
فلندع هذا التوحيد الداهم جانبا ونولي وجهنا شطر أمر آخر هو الغرض الأسمى لتلك الجماعة، وهو الذي يسعى إليه حماتها، أعنى التقريب بتمام معنى الكلمة ـ كما يظهر من لفظه ـ وهو الدعوة إلى أن يحتفظ كل من الفرق الإسلامية بمبادئها ونزعاتها وأعمالها على اختلافهم في ذلك، ثم لا يمنعهم ذلك كله من القيام بأمور عامة تعود على المجتمع الإسلامي بالخير وتجعلهم أمة واحدة يكون لها ما يكون لكل فرقة وعليها ما عليهم من الشئون الاجتماعية.
ــــــــــ
(1) غذن فمحاولة الجمع بين الخلافة والامامة وتأويل كل منهما بما يرجع على الآخر وجمعهما على أمر واحد يتفق فيه الفريقان، كما تكلف له بعضهم محاولة غير مجدية في حل المشاكل مع ما فيه من عدم فبولهما لهذا الحل، وكذلك الأمر في بعض الفروع كالحكم بالتخيير في الغسل والمسح على الرجلين جمعا بين الفريقين فان ذلك ما لا حاجة اليه، وهب أنا جمعنا في مسألة يمكن الجمع بينهما فماذا نفعل في مباحث أخر لا يمكن مثل هذا الجمع.