/ صفحه 359/
" مثل الذي يعين قومه على الظلم كمثل البعير المتردي في الرُّكى، فهو ينزع بذنبه " وإن ذلك التشبيه صادق كل الصدق في زمننا، فإن مبالغة القادة والزعماء في نصرة أقوامهم بالباطل ليلتهموا الأرض والأنفس، قد جعل العالم يتلظى في أتون من نيران الحروب حتى إذا أطفأ الله ناراً أجج ابن الأرض أخرى، وذلك سبب النصرة الظالمة للأقوام والتعصب المردى للأوطان وإهمال كل حق للإنسان.
4 ـ (2) المعاملة بالمثل:
دعا الإسلام إلى العدالة المطلقة التي لا تعرف قريبا مواليا، أو بعيداً معاديا، ودعا إلى قانون عادل في معامله المسلم لغيره، سواء أكان مسلما أم كان غير مسلم، وسواء أكان التعامل بين الأفراد أم كان بين الجماعات والدول، وذلك القانون العادل هو قول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): (عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به) وبمقتضى هذا القانون العادل في ذاته كان على المسلم أن يعامل من يعتدي عليه بمثل هذه المعاملة، وإذا كان الاعتداء ظلما فرده عدل، ولذا كان القانون المعاملة بالمثل قانوناً إسلامياً عادلا، وقد جاء في القرآن الكريم: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين " ومن أجل ذك شرع القتال في الإسلام، فقد شرع على أنه أساس لدفع الاعتداء، فقد قال تعالى: " وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين((.
ونرى في هذا النص دلالة على أمرين جليلين:
أحدهما: أن القتال في الإسلام إنما أبيح لرد الاعتداء بمثله، فهو لا يقاتل إلا الذين يعتدون على أهله ويقاتلونهم.
الأمر الثاني: أن يلاحظ من يرد الاعتداء أنه أبيح له القدر الضروري للدفاع، فلا يصح له أن يعتدي فلا يتجاوز حد الدفاع، ولا يعتدي في دفاعه، فيقتل من لا يقاتل، أو يسعى لإفساد الأرض، وإهلاك الحرث والنسل.
ولهذا المبدأ وهو المعاملة بالمثل أباح الإسلام استرقاق أسرى الحروب، ولم يبحه في غير ذلك، فإن محاربيه كانوا يسترقون الأسرى، وذلك كان أقل ما يصب