/ صفحه 358/
في ذلك كثيرة متضافرة، وأوضحها في معاملة المخالف المحارب ـ بالعدل، قول الله تعالى: " ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى " وقوله تعالى: " يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم " وقوله سبحانه في الأمر العام بالعدل: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " ولقد ذم القرآن اليهود الذين كانوا يعدلون فيما بينهم ويأكلون حقوق غيرهم ممن ليسوا يهوداً ويقولون: " ليس علينا في الأميين سبيل " وإن تحقيق العدالة بكل معانيها هي المقصد الاسمى للأديان، وذكر القرآن أن العدل هو الأمر الذي اجتمعت عليه النبوات والديانات السابقة كلها، فقد قال سبحانه: " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس " وفي الجزء الأخير من النص الكريم إشارة بينة إلى أنه إذا كانت حرب يجب أن تكون لتحقيق القسط بين الناس لا لتوسيع هوة التفاوت بينهم بتسليط الغالب على المغلوب، فالحروب يجب أن يكون الباعث عليها عدلا، ويجب أن تكون في نتيجتها تحقيق العدالة بين البشرية.
3 ـ ولقد وردت الأحاديث النبوية متضافرة على العدل ومنع الظلم مع العدو والولي، فقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إن الله كتب على نفسه العدل فلا تظالموا أي لا يظلم بعضكم بعضا " واعتبر النبي من يعاون الظالم في ظلمة خارجا على الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: " من مشى مع ظالم فقد خرج من الإسلام " وإن بر الإنسان بقومه وجنسه أو بني وطنه لا يسوغ له بحال من الأحوال أن يعاونهم على الظلم، وقد صرح بذلك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد سأله أبي بن كعب: أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال: لا، ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم، فالعصبية الظالمة منهى عنها، وقد ورد النهي في مثل قوله: " ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية ".
ولقد دعا النبي الذين يتعصبون لأقوامهم وأوطانهم ألا ينصروها وهي ظالمة، واعتبر الناصر لقومه على الظلم كمن يتردى في ركية من النار فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):