/ صفحه 348/
عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيى الموتى وأنه على كل شيء قدير " ويستدل بأن الحكمة والعدل يقضيان بالحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، كما يقضيان بأن ينال المحسن إحسانه والمسئ إساءته، حتى يطهر المسئ من دنس النفس، ويكون أهلا لرحمة الله الكاملة، وهذان شأنان هامان، إذ كثيراً ما يرتحل الناس عن الدنيا دون أن يعرفوا الحق فيما اختلفوا فيه، ودون أن يسهل طريق النقاء لمن دسى نفسه، وإذن فلابد من دار أخرى: " ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ". " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقاً ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ليبين الذين يختلفون فيه، وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين " ويستدل بأن الاعادة التي يستبعدها المعاندون لا تتوقف إلا على العلم والقدرة، وهما عند الله من مرتبة ذاته العلية، لا يعزب عن عمله شيء ولا يعجزه شيء: " قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ ". " ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ".
وهنا نوع آخر من الاستدلال على البعث عرضت له كثيراً سورة الأنعام يقطع النظر فيه عن كل ما تضمنته هذه الأنواع من توجيه النظر إلى العلم والقدرة والى ما تقتضيه العدالة والحكمة، وإنما يعرض شأن البعث باعتباره أمراً كائناً ليس موضع إنكار، ولا محلا لريب، وتصور فيه مواقف المنكرين، وما سيكونون عليه في ذلك اليوم، وكأن القرآن يقول لهم في هذا النوع: أريحوا أنفسكم من الإنكار، وأريحوا الرسول من الجدل والمناقشه، وتعالوا فاعرفوا الواقع الذي سيكون، وهذا هو الأحرى بكم، وما يجب ان تعرفوه، وأن يرتسم على صفحات، قلوبكم، وانظر في هذا مثل قوله تعالى: " ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون، ثم لن تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين، انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ". " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون