/ صفحه 34/
8 ـ وإنه يبقى الزواج ما بقيت هذه المودة الواصلة، فإذا تقطعت أوصالها وحل محل المودة البغضاء والشحناء، ولم يمكن إعادة حبال المودة المنصرمة، لا يقول عاقل إن الزوجية تبقى، ولذلك يقول بنتام في كتابه ((أصول الشرائع في العلاقة الزوجية)):
((إن الزواج الأبدى هو الأليق بالإنسان، والملائم لحاجته، والأوفق لأحوال الأسرة، والأولى بالأخذ لحفظ النوع الإنسانى، ولكن إن اشترطت المرأة على الرجل ألا تنفصل عنه، ولو حلت في قلوبهما الكراهة محل الحب لكان ذلك أمراً منكراً لا يصدقه أحد من النّاس، على أن هذا الشرط موجود دون أن تطلبه المرأة، إذالقانون ـ أي القانون الكنسي ـ يحكم به، فيتدخل بين العاقدين حال التعاقد، ويقول لهما أنتما تقترنان لتكونا سعداء، فلتعلما أنكما تدخلان سجنا سيحكم غلق بابه... ولن أسمح بخروجكما، وإن تقاتلتما بسلاح العداوة والبغضاء. إن أقبح الأمور وأفظعها عدم انحلال ذلك الاتفاق، لأن الأمر بعدم الخروج من حالة أمر بعدم الدخول فيها، لا فرق في ذلك بين زواج وخدمة، وبلد وصناعة وغيرها، لو كان الموت وحده هو المخلص من الزواج لتنوعت صنوف القتل، واتسعت مذاهبه)).
9 ـ ولم يفرض الإسلام إن كل علاقة زوجية علاقة مثالية لا يمكن أن يُرفِّق جوَّها الصافي نزاع أو خصام، بل فرض النزاع والخصام، مادام الإنسان هو الإنسان، وهو الذي نزل إلى الأرض وفي طبيعته السمو والرفعة، والهوى والشهوة; وإن العداوة قريبة الاحتمال في علاقاته، ولو كان بساط المودة ممدوداً، وسماء المحبة تظل حياة الزوجية، بل قد تكون المحبة الشديدة سبباً للتشكك الشديد، ووراء
التشكك الخلاف والنزاع، وفي ظل النزاع تبذر البغضاء بذورها، ويحصد الزوجان حصادها، والله وحده هو مقلب القلوب، العالم بما تخفى الصدور، وما تختلج به النفوس.
ولهذا الاحتمال الذي يفرض عروضَ النفرة بعد المودة، والبغضاء بعد