/ صفحه 32/
إليها وحث عليها، ورّغب فيها بكل وسائل الترغيب، ولكن لم يبين أحكامها بالتفصيل، بل ترك ذلك لنبيه الأمين، وكذلك كان الأمر في الزكاة، وكذلك كان الأمر في الحج، وإن كانت النصوص القرآنية قد خصته من بين الصلاة والزكاة ببعض التفصيل القليل في بعض أجزائه، وترك بيان سائر أحكامه للنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول: ((خذوا عنى مناسك دينكم)) وهكذا كل العبادات كان التكليف في القرآن فيها إجمالياً; والتفصيل إلى الرسول الأمين، كما قال تعالى: ((لتبين للناس ما نزل إليهم)).
أما الأسرة فإن أحكامها مفصلة مأخوذة من القرآن بالنص في أكثرها، وبالحَمْل على النص في قليل منها، وببيان النبي صلى الله عليه وسلم في قليل آخر، فأحكام الزواج مبينة بالتفصيل، قد بينت المحرمات تفصيلا، حتى رَدَّ فخر الدين الرازي كل المحرمات إلى النص القرآني، وأحكام الطلاق مفصلة تفصيلا دقيقاً، وأحكام الميراث تولى المولى العلى القدير بيانها، وأحكام النفقات بين آحاد الأسرة قد ربطها القرآن الكريم بالميراث، فقال سبحانه: ((وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف.... وعلى الوارث مثل ذلك)) وهكذا.
6 ـ وإن هذه العناية الواضحة في النصوص القرآنية تدل على أن الإسلام ينظر إلى الأسرة نظرة خاصة، ويعتبرها بناء المجتمع، وأنها إذا صلحت صلح المجتمع، وأنها إذا فسدت فسد المجتمع، فإن انهيار الفضيلة في المجتمعات التي انحلت فيها الفضيلة، إنما أساسها انحلال الأسرة، فالأسرة رباط الجماعة المقدسة وفيها حماية الفضيلة وحماية الأخلاق وتنشئه الناشئة على حلية من الأخلاق والمودة والرحمة بالناس، وإن كل طرائق التهذيب قديمها وحديثها لابد أن يكون بينها وبين الأسرة تناسق وتناسب، فإن كانت غير متناسقة معها لم تكن قائمة على قواعد ثابتة آمنة من الزوال، فإن ماتلقيه الأسرة في نفس الناشىء لا يقبل الزوال، وغيرها ما لم يرتبط بها ـ أمرهُ إلى زوال.
7 ـ وإن القرآن الكريم اتجه أول ما اتجه في تكوين الأسرة إلى الركنين