/ صفحه 314/
وأنا أخالف الأستاذ الزيات التي يعلق على هذه القصيدة ومثيلاتها بقوله: " وسأدع لك الوقت لتمتحن صبرك على كشف هذه الرموز، وحل هذه الأحاجي، ولن أسألك عما فهمت، فإنك أن أجبت فإن جوابك لن يزيد على جوابي، وإن أخطأت فإن خطأك لن يختلف عن صوابي (1) ".
أخالفه، لأني فهمت البيت الثاني وإن كنت فهمته بعد أن درست المذهب الرمزي، وعرفت حقيقته، فإذا هي مثبتة في هذا البيت، وهذا ليس بعيب على الشاعر، فإن واجبنا أن ندرس كل شيء إذا أردنا أن نفهم الشعر، وأما الأبيات الأخرى فعلى الرغم من أنى راجعتها في أكثر من كتاب ومجلة، أوكد أن فيها تحريفات كثيرة، بل أظن أن التحريف لحق كل كلمة، بل كل حرف من حروفها، وعلينا أن نطلب لها خبيراً في التزويرات ليردها إلى أصلها!.
ويتصل بهذه الرمزية، وإن لم يكن منها، نوع آخر من الشعر، يسميه أصحابنا " الشعر الفلسفي " فإن أصحاب هذا الشعر، وإن لم يكونوا حين نظموه ـ فيما أعرف عنهم ـ يدينون بالرمزية أو يفهمون عنها شيئاً، إلا أن الغموض والمعاياة، والإلغاز، هذه الفواجع التي تظهر في شعر الرمزيين من شعرائنا، تظهر أيضاً في كثير من شعر هؤلاء (المتفلسفين شعراً) ويعبر أحدهم عن هذه الفلسفة الشاعرة، أو عن هذا الشعر المتفلسف، بأنه التصوير الهادئ الغامض، فالهدوء والغموض هما اللذان يثيران في الشاعر خاطر التصوير، بل خاطر التعبير، وهو يهرب من الضجة كما يهرب من الوضوح، فإذا اضطر لملابستهما، فهو يعيش فيهما، ولكن لا يعبر عنهما، وسأضطر هنا ـ حين أمثل ـ لذكر أبيات لشاعر صديق، أحترم شعره، وأعرف فيه الوضوح والدقة في التعبير، والروعة في التصوير، ولكنه حين تفلسف جاءنا بالغموض والألغاز.
قصيدة عنوانها (أنا) جاء فيها:
أظنك يا دنياي لا تعرفينني فيا خيبة المسعى ويا ضيعة المنى
ــــــــــ
(1) دقاع عن البلاغة ص 160.