/ صفحه 313/
القصائد الرمزية المترجمة كقصيدة (البعث) لزعيم الرمزية في فرنسا (استيفان مالارميه) وكقصيدة (الغراب) للشاعر (إدجار ألان پو) فنجد فيها جمالا وروعة، وعمقا في التفكير، وصدقا في الشعور، ونحس بروعة الإيحاء ونفاذه، ثم نكر راجعين لنقرأ لشعراء الرمزية عندنا، فنجد غموضاً والتواء، وتطالعنا " أفكار مهوشة مضطربة، في رؤوس أحب أصحابها التعبير عن أفكارهم بالشعر، ولم يؤتوا ملكته، ولا أعدوا له عدته، ولم يعطهم الله شعور الشاعر ولطف حسه، وصفاء نفسه، فاستعاضوا عن ذلك بالانتماء إلى المذهب الرمزي، ولا يكلف ذلك من يريد إلا أن يكتب في رأس قصيدته … أو مصيبته التي يحب أن ينزلها بالقراء كلمة (من الشعر الرمزي) وأن يلقى صحفياً أحمق ينشرها له!.
وكل الذي قرأناه إلى الآن من هذا الشعر الرمزي قطع هي أبعد عن الموسيقى من بعد السماء عن السحاب، وبعد أصحابها عن الشعر … إنها رطانة بحروف عربية … وشعر، ولكن لا شعور فيه، ولا موسيقى، ولا حياة " (1).
وقد شاعت عند النقاد قصيدة لأحد الشعراء الذين يدينون بالمذهب الرمزي، أو يتمسحون به، على وجه الدقة، وهي مثال صريح واضح للكلام الغامض المبهم، الذي بين لفظه ومعناه ـ إن كان له معنى ـ مسيرة أربعمائة عام، ولصاحب هذه القصيدة مسرحية رمزية أيضاً، قال فيها أحد النقاد: " إنها غامضة يعسر فهمها على أدق الأفهام " وهذه بعض أبيات من القصيدة، وعنوانها (إلى زائرة):
لو كنت ناصعة الجبين هيهات تنفضني الزيارة
ما روعة اللفظ المبين السحر من وحي الاشارة
ظل على وهج الحنين وسمته معجزة العبارة
خط تساقط كالحزين أرخى على العزم انكساره
غيبت في العجب الدفين معنى براعته البكارة
درا يفوت الناظمين ونهضت تهديني بحاره
خطوات وسواس رزين وهب تعميه الطهارة
ــــــــــ
(1) مجلة الرسالة. العدد 692. ص 1103 لعلي الطنطاوي.