/ صفحه 312/
يعيبون شوقياً وحافظاً ومن إليهما بأنهم مقلدون أو على حد تعبير بعضهم (مجترون) لأنهم أطالوا النظر في الأدب العربي، وحافظوا على عمود الشعر، هؤلاء الشعراء ذهبوا يقلدون ـ وبغير تبصر ـ الأدب الغربي في اتجاهاته، وأخيلته، ومعانيه، حتى لاحظ بعض النقاد أن حركات التجديد التي نشأت في الأدب العربي المعاصر إنما تستمد _ في الغالب ـ وحيها من الآداب الأجنبية.
ويتجلى لنا هذا التقليد الرائع في سلوك شعرائنا حيال المذاهب الأدبية القريبة، فإن لهذه المذاهب حدودها ورسومها، ومقدماتها ونتائجها، فماذا صنع هؤلاء المجددون؟. نظروا في هذه المذاهب نظرات عابرة، وراحوا يقلدونها، ويدعون أنهم يصدرون عنها، دون أن يتعمقوا فهم أسرارها، وأكتناه مراميها، وأكثرهم لم يفهم عن هذه المذاهب شيئاً، أو فهم منها الجانب الردئ، ولكن كيف يصل إلى قمة الشهرة والخلود، وهو لا يدين لمذهب من تلك المذاهب، وقد ظهر في المفكرين الغربيين من ينكر هذه المدارس كلها، ويعتبرها قيوداً للفن والفكر، ويرى ان كل أديب ينبغي أن يسبح في بركة نفسه، وأن يغرد على الأغصان التي يطيب له التغريد عليها، كما يرى أن من الأسر والإرهاق للأديب أن يدور حول غيره، غير منطلق كما يرضى الأدب. فما أشبه هذه المدارس الأدبية بأقفاص للعصافير (1).
وعلى الرغم من ذلك فقد ابى شعراؤنا ولا سيما الناشئون منهم إلا أن يندفعوا وراء هذه المذاهب ويكونوا من سدنتها، ويرون أن السجن في أقفاص مذهب غربي فخر لا يعد له الانطلاق في الآفاق الفسيحة من طبيعة النفس ومواهبها.
على أن الداء الدوى أن فهمهم أو بالحرى فهم أكثرهم لهذه المذاهب ـ كما أسلفت ـ ناقص مبتور، ولنأخذ ـ مثلا ـ الرمزية، نقرأ عن أصلها وحقيقتها، وما كان يعنيه أصحابها الأولون منها، فنجد أنها مذهب يعتبر الشعر ما انبعث من قرارة النفس، ورفع إلى ذروة السماء وكان موسيقيا قبل كل شيء، ونقرأ بعض
ــــــــــ
(1) مجلة الأديب عدد سبتمبر سنة 1950 ص 18.