/ صفحه 310 /
فما أرى أنهم يحاولون أن ينسجوا على منوال أسلافهم، وأن يقتدوا بهم فيسلكوا الطريق التي سلكوا ويستعينوا بالوسائل التي استعانوا بها، على أن الذين يعترفون لهؤلاء بالفضل والتبريز يستهينون بالاطلاع على متخير الآداب، ولا سيما الآداب العربية القديمة، فرأى غير قليل من عشاق التجديد أن هذا الآداب العربية زاثقة وبهرج لا وزن له، آداب خالية من الخيال الممتع، والتحليق المثير، والمعاني المرقصة حتى لينادي أديب كبير ـ أو على الأقل جعله طول مكثه في مغاني الأدب كبيرا ـ فيقول في غير تورع ولا حياء في كاب ينشره على الناس باسم الأدب: (الأدب العربي هباء كله، لا يغني عن الناس شيئاً، لأن ألف سنة تحول بيننا وبين أعلامه والأفذاذ من رجاله، فصلتنا بهذا الأدب مقطوعة أو كالمقطوعة).
ومهما يكن من شيء، فإن جمهرة المتأدبين في أيام الناس هذه يطلبون الشهرة، ويغفلون عن وسائلها، وما عرفوا أنه لا يمكن أن تسمح الأيام بأديب فذ حتى يعاني من المصاعب في الدرس والتحصيل ما يعيا بحمله الوادعون الكسالى المترفون، إنني ما قرأت ترجمة شاعر كبير، أو كاتب خطير إلا رأيته صاحب ثقافة عميقة، وإطلاع واسع، وثروة ضخمة من الشعر والنثر يدخرها في صدره. ويطول بنا الحديث لو أخذنا في ضرب الأمثال، فلنشر إلى ثقافة أبي العلاء المعري، والى ثقافة أبي الطيب المتنبي الذي وجه إليه هذا السؤال من عالم كبير: (كم لنا من الجموع على وزان فعلى؟) فأفكر المتنبي قليلا، ثم قال: ثلاثة. قال السائل: فغبرت دهراً طويلا أبحت لها عن رابع فلم أجد.
وقد روى المقري في نفح الطيب عن ابن زيدون الشاعر الأندلسي الكبير: " أن ابنته توفيت وبعد الفراغ من دفنها، وقف للناس عند منصرفهم من الجنازة ليشكر لهم، فقيل: إنه ما أعاد في ذلك الوقت عبارة قالها لأحد " قال الصفدي: " وهذا من التوسع في العبارة والقدرة على التفنن في أساليب الكلام، وهو أمر صعب إلى الغاية " إلى أن قال بعد أن وازن بينه وبين واصل بن عطاء في تجنبه الراء، وأما ابن زيدون فأقول في حقه: " أقل ما كان في تلك الجنازة ـ وهو