/ صفحه 308/
التي كان الروم يستولون عليها، من الشام، إلى مصر، إلى جميع بلاد المغرب، ثم أخذوا يغزونهم في عقر دارهم، ويستولون على بعض بلاد أوربا من الأندلس وغيره، حتى كان لهم ما وعدهم الله به من الخلافة في الأرض، وانتشر الإسلام في جميع البقاع، فعرفه القاصي والداني من سكان الأرض، وبهر نوره جميع أهل الأديان، وصارت له قوة مادية وأدبية يحسب الان في سياسة الدولة حسابها، وسيكون الفوز بإذن الله في النهاية لها.
فما هو إذن التعليل الصحيح ليسر الإسلام؟
والجواب إن الإسلام جاء دينا وسطا بين الشدة واللين، لأنه دين أريد به أن يكون صالحا لكل الناس، ملائما لكل زمان ومكان، ليكون خاتمة الشرائع السماوية، وينتهي به التشريع الالهي، فلابد أن يكون ملائما لكل الفطر، داخلا في حدود الطاقة البشرية للأفراد، وليس لهذا قياس إلا أن يقف عند ذلك الحد الوسط، فلا يسرف في جانب الشدة حتى يخرج عن حدود الطاقة، ويكون عسراً لا يسراً، ولا يسرف في جانب اللين حتى لا يكون تكليفاً، بل يكون إباحة لا تكليف فيها.
والشرائع إنما تقاس بمقدار صلاحيتها للناس في ذاتها، لأن درجاتها في الرقى تابعة لمقدار صلاحيتها، فكلما زاد مقدار صلاحيتها زاد مقدارها في الرقى، ولا شك أن الشريعة الإسلامية قد بلغت الغاية في هذه الصلاحية، لأنها جاءت وسطا في تكاليفها، فقربت من كل الفطر البشرية على اختلافها، وصارت في طاقة كل فرد من غير إرهاق وعنت: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).