/ صفحه 307/
ورفع عنه الآصار التي كانت على من قبلهم لقوتهم، فإن الله تعالى لم يخترهم لإنشاء ملك صغير في بقعة من الأرض كما اختار بني إسرائيل، بل اختارهم ليستخلفهم في الأرض جميعها، وليكون لهم فيها ملك كبير يشمل أكثر بقاع الأرض كما قال تعالى في الآية ـ 55 ـ من سورة النور: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) الآية ـ فكانوا عند وعد الله تعالى لهم، لم يهنوا ولم يضعفوا في يوم من الايام، ولم يجبنوا عن القتال حينما ندبوا له كما جبن بنو إسرائيل، بل كان أن قام النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر يتشيرهم في القتال، فقام المقداد بن الأسود من المهاجرين فقال: يا رسول الله، امض لما أمرك الله، فو الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) ولكن أذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والله لو سرت بنا إلى برك الغماد ـ موضع على ثلاثين أو أربعين ميلا جنوب المدينة الغربي ـ لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. وقام سعد بن معذ من الانصار فقال: قد آمنا بك صدقناك وأعطيناك عهودنا فامض لما أمرك الله، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضه معك، وما نكره أن تلقى العدو ينا غدا إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله.
فيالله لهذه القوة التي لا نظير لها، والتي لم تكن تفوقها قوة أرضية في ذلك الوقت، لقد أخذت تقود الإسلام من نصر إلى نصر، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا وقد دان له جميع بلاد العرب، ثم قام خلفاؤه من بعده فساروا في سبيله، وقد تحرش بهم ملوك الفرس والروم حينما رأوهم قد قضوا على ما كان لهم من النفوذ السابق في بلاد العرب، فلم يضعفوا أمام تحرشهم بهم، بل قابلوا ما كان لهم من قوة العَدد والعُدد بقوة الايمان، فغلبوهم بهذه القوة التي لا تغلب، وقضوا على ملك الفرس في الشرق، واستولوا على جميع البلاد الشرقية