/ صفحه 306/
من نعم عليهم، ليبدل ضعفهم إلى قوة، وجبنهم إلى شجاعة، ويأسهم إلى أمل، كما حكى الله تعالى عنه في سورة المائدة.
ولكنه يئس منهم بعد أن أظهروا هذا الضعف البالغ، وكان أن عاقبهم الله تعالى بتحريم هذه الأرض عليهم أربعين سنة، حتى يذهب ذلك الجيل الذي نشأ في ظل الاستعباد والاستبداد، وأرهقة ظلم فرعون وطغيانه فيه، وينشأ جيل آخر لم ينشأ في ظل الاستعباد والاستبداد، فيمكنه أن يقوم بفتح هذه البلاد، كما قال تعالى بعد الآيات السابقة: " قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين ".
وأما النصرانية فقد نشأت نشأة أضعف من نشأة اليهودية، إذ لم يدن بها على عهد عيسى (عليه السلام) إلا أفراد قلائل من بني إسرائيل، وكان بنو إسرائيل في ذلك الوقت واقعين تحت حكم الرومان، فكان أولئك الأفراد الذين دانوا بالنصرانية ضعافاً كل الضعف، لأنهم كانوا من شعب مستضعف بحكم أجنبي، وكان ذلك الشعب يضطهدهم وينابذهم العداء، ويستعين عليهم بذلك الحاكم الأجنبي، حتى اضطرهم إلى مداراته اتقاء لغضبه، وقد سألوا عيسى (عليه السلام) عما يفعلونه مع قيصر الرومان، فقال: اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، ولهذا كانت النصرانية شريعة زهد في الدنيا، لأنها لم يكن لها أمل مع قلة من دان بها في دنيا تقيمها، تتغلب فيها أولا على ذلك الشعب المحكوم بحكم أجنبي، ثم تتغلب فيها ثانيا على ذلك الحكم وأنى لها هذا ولم يدن بها إلا أفراد ضعاف قلائل، وملك الرومان قد شمل ما لا يعد من البلاد والأقطار في ذلك الوقت، فانتهى أمرهم مع عيسى (عليه السلام) بتسليمه لأعدائهم، وكان الذي دل عليه أعدءاهم واحداً منهم، ولا نهاية أضعف من هذه النهاية، ولا أتباع أضعف من أولئك الأتباع الذين سلموا في نبيهم، ولم يتحرك لنصرته واحد منهم، بل كان واحد منهم هو الذي دل عليه أعداءهم.
ولنعد إلى المسلمين الذين يقال إن الله تعالى علم ضعفهم فيسر لهم شريعتهم،