/ صفحه 30/
الروابط في المجتمع العام للأمة بالمودة والنظم القانونية التي تحد العلاقات بين الناس فلا يعتدى أحدهم على الآخر، وحكم القانون هو الأوضح الأظهر، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وتحقيق العدالة الدولية بين الأمم بعضها ببعض تكون بالمعاهدات المنظمة، والوفاء بالعهد فيها هو الدعامة التي يقوم عليها البناء الاجتماعي الإنساني العام بين الدول، وإلا كانت قوانين الغابات هي الحاكمة، وتكون علاقة الدول بعضها ببعض كعلاقات الآساد في الأجمة، أو الذئاب في الفلاة، كل يبيت للآخر الافتراس ما أمكنته الفرصة، وبمقدار ما تمده به قوته.
ومجتمع الأسرة لا يحكم بقوانين بمقدار ما يحكم بالمودة الرابطة، والرحمة العاطفة، والمحبة الواصلة، وتدَخل القوانين قد يفسدها، وأحكام القضاء قد تقطع أوصالها، فإن المودة لا تنفذ بحكم، والرحمة لا تكون بحكم القضاء، والمحبة لا تكون بزجر القانون.
3 ـ وإن الأسرة هي وحدة البناء الاجتماعي، وهي الرابطة الأولى التي تقوى بها كل الروابط الإنسانية، فالمجتمع القوى هو الذي يتكون من أسر قوية إذ الأسرة هي الخلية الأولى التي تتربى فيها كل العواطف الاجتماعية التي تجعل من الشخص امرأ يألف ويؤلف، وإن بناء الوطن يتكون من روابط اجتماعية تكونها عواطف الإلف والإحساس الاجتماعي، والمشاركة الوجدانية التي تجعل المجتمع الواحد كأنه جسم واحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
وقديماً توهم بعض الفلاسفة أن الأسره تعوق الآحاد عن العمل في البناء الوطنى، فوضع نظاماً لجمهورية زعمه نظاما مثالياً يقوم على أن تمحى الأسرة في المجتمع لتكون كل العواطف الإنسانية للوطن، فلما محا الأسرة محا معها عواطف الإلف والائتلاف التي هي الروابط التي تربط آحاد المجتمع بعضه مع بعض، وإنه إذا محيت هذه الروابط المكونة من أحاسيس لم تكن آمال وطنيه جامعة،