/ صفحه 25/
وقد حدثنا التاريخ أن هذا دائماً هو أسلوب المستكبرين، وأن الحقّ إذا ظهر من جانب الضعفاء أو أصحاب المراتب الصغيرة أحجم عنه أهل الغرور بأنفسهم والمدلوُّن بما لهم من مراتب عليا في مجتمعهم، فتراهم يقولون بلسان حالهم أو بلسان مقالهم مثل ما قال الأولون: أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا؟)).
وفي هذا أيضا إرشاد لسنة من سنن الله في النّاس، وهي أن أصحاب المواهب وأهل الذكاء والعاملين المخلصين من شأنهم أن يحسَدوا وأن تمتلىء قلوب المتخلفين عنهم ببغضهم والحقد عليهم، وأن على الولاة والرؤساء أن يدركوا ذلك ويحترسوا
منه، ولا يَدَعوا سبيلا إلى الحاسدين والحاقدين تمكنهم من إقصاء العاملين المخلصين شفاء لما في صدورهم من الحقد، وإطفاء لنيران الحسد التي تأكل منهم القلوب.
وتأمر السورة بعد هذا بإحسان معاملة المؤمنين وتبشيرهم برحمة الله ومغفرته حيث تقول: ((وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم)).
وهذا تعليم إلهى من الله لرسوله في مقابل ما كانوا يراودونه به من طرد المؤمنين وإقصائهم، وإنه لأدب كريم يجب أن يجعله كل مصلح نُصب عينيه، وأن يطبقه في معاملته لأصحابه ومعتنقى فكرته، فإن من أحسن ما يملك القلوب اعتراف الكبير بإحسان الصغير، إن له فعل السحر في النفوس، إذ يبعثها على المبالغة في التجويد والإتقان والإخلاص، وعلى العكس من ذلك إذا أنكرت الجهود النافعة، ونُسيت الأعمال الصالحة، وتجاهل الرئيس ما يبذله المرءوسون من جهود; فإن ذلك يكسر نفوسهم، ويَفتُّ في عضدهم، ويبدِّلهم بالإخلاص والدأب تهاونا وتراخيا.وأدب آخر في هذه الآية الكريمة هو التوجيه إلى التبشير، والابتعاد عن التنفير، فإن التبشير من شأنه أن يبعث النشاط، ويزيد الطاقة، والتنفير من شأنه أن يهدالقوى، ويفسد النفوس.