/ صفحه 24/
إرشاد الرسول إلى المسلك القويم مع المخالفين والموافقين:
وقوله تعالى: ((ولا تطرد الذين يدعون ربهم)) الخ نهى للرسول صلى الله عليه وسلم عن الاستجابة إلى ما كان يطلبه إليه المستكبرون من إبعاد الفقراء والضعفاء الذين اتبعوه، فقد جاء في أحاديث السيرة وأسباب النزول أن الملأ المستكبرين من قريش كانوا يطلبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحى عن مجلسه ضعفاء المؤمنين من أمثال صهيب وعمار وخباب، وأنهم كلموا في ذلك مرة عمه أباطالب، وأن عمر أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبوله، فجاءت هذه السورة وفيها نهى له عن الأخذ بهذا، فالكلام في ذلك من أول قوله تعالى: ((وأنذر به الذين يخافون)) إلى قوله جل شأنه: ((فأنه غفور رحيم)) مراد به إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يسلكه في هذه القضية، وتعليم له أن صاحب الفكرة والمبدأ يجب ألا يجامل فيه قوياً لقوته، وألا يجرح ضعيفا لضعفه، وإنما العبرة بالإيمان، والولاية والأولوية لأهل الإيمان.
وقد ذكّرت العبارات الواردة في هذه الآيات بما جاء في قصة نوح (عليه السلام) حيث يقول له قومه: ((وما نراك أتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى وما نرى لكم علينا من فضل)) وحيث يقول لهم: ((وما أنا بطارد الذين آمنوا)) ((من ينصرنى من الله إن طردتهم)).
وهكذا نعلم أن الناس هم الناس، لا فرق بين الذين كانوا في عصر نوح، والذين كانوا في عصر محمّد، وإننا لنرى خلفاً بيننا لهؤلاء السلف يحاولون احتكار مجالس الحكم والسلطان والتوجيه دائماً، ويحبون أن تخلو لهم وجوه الحاكمين والمصلحين بحجة أنهم الأشراف والسادة والأقوياء، وأن الآخرين هم الضعفاء والمسودون.
وتبين الآيات بعد هذا أن الله تعالى يمتحن عباده ليُظهر الذين يعرضون عن تقبل الحقائق استكباراً وغروراً وترفعاً عن قبول ما قبله المستضعفون، أو حسدا لهم على ما آتاهم الله من فضله.