/ صفحه 26/
تسلية الرسول:
وتقول سورة ((الأنعام)) في تسلية الرسول، واستلال عوامل اليأس والحزن من قلبه: ((قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون، ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا، ولا مبدل لكلمات الله، ولقد جاءك من نبأ المرسلين، وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغى نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية، ولو شاءالله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين)).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحزن ويشتد حزنه لما يقابله به قومه من الإعراض والتكذيب، ويخشى على دعوته أن يطول عليها امد تكذيبهم، وكان حزنه وإشفاقه يصلان إلى مدى بعيد حتى ذكر القرآن الكريم في بعض الآيات أنه حزن يكاد يؤدى إلى ذهاب نفسه وهلاكها حيث يقول: ((فلا تذهب نفسك عليهم حسرات)). ((لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين)) ((فلعللك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)) وهذا الحزن الشديد مظهر من مظاهر بشريته صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك احتياجه إلى التسلية والتثبيت، فإن الله سبحانه وتعالى كان يتعهده بذلك فيما ينزل من القرآن ويضرب له أمثال السابقين، ويقص عليه قصص المرسلين، فالنبوة لم تخرجه عن مقتضى بشريته من التأثر بدواعى الحزن، والحاجة إلى التقوية والتثبيت، وفي هذه الآيات من سورة الأنعام يذكرالله له أنه يعلم حزنه، وأن هذا الحزن لما يقوله أعداؤه عنه وعن دعوته، ثم سلاه وخفف عنه حزنه بتعريفه أن هذا الإعراض الذي يراه منهم ليس راجعاً إلى أنهم يعتقدون كذبه، فقد جربوا عليه الصدق طول حياته ولم يعهدوا عليه كذبا، ولكن هذا الإعراض راجع إلى شأن عام لجميع الظالمين من أعداء الحقائق في كل زمان ومكان، فقد جرت عادة الظالمين أن يجحدوا بآيات الله، والجحود هو نفي ما في القلب إثباته، أو إثبات ما في القلب نفيه، فهم يعلمون أن آيات الله حقّ، وأنك صادق فيما تبلغه عن ربك،