/ صفحه 23/
ولا يتقبلون إنذاراً ولا يخافون عذاباً، إن هؤلاء قد سدّوا على أنفسهم منافذ الهداية فدعهم ولا تتجه اليهم ولا تحاول أن تضيع وقتك في ترضيهم أو مجاملتهم أو النظر في شروطهم التي يشترطونها للإيمان بك، وتصديق الذي جئت به، ومنهم المصدقون الذين يخافون ربهم، ويعلمون أن وراءهم يوماً، وأنهم سيحشرون الى ربهم فيسألهم ويحاسبهم ولا يحول بينه وبينهم أحد بولاية أو شفاعة، وهؤلاء هم الذين يتقبلون الإنذار، لأنهم فكروا وتدبروا فخافوا، فلتكن عنايتك متوجهة إليهم، وليكن حرصك مقصورا عليهم.
وهذا المعنى الذي يذكره الله لرسوله في هذه الآية هو إرشاد إلى سنة من سنن الله في الخلق، أو هو ـ بتعبير حديث ـ تعريف بخلق نفسي اهتدى اليه علماء النفس أخيراً، ذلك أن النّاس يختلفون من حيث تقبل الأفكار والتنكر لها، وأن ذلك يرجع أحياناً في نفس المنكر الى عقدة خفية تجعله يرفض قبول مايساق اليه ولو كان بادى الصحة مؤيداً بالدليل والبرهان، وقد تكون هذه العقدة استكباراً في النفس لأن غيره تقبله قبله، أو لأن الذي تقبله أقل منه مركزاً، أو لأن في قبوله تقيداً بما لا يحب أن يتقيد به، أو تركا لما لا يحب أن يتركه، الى غيرذلك، وهذا هو الذي عناه القرآن بمثل قوله ((سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحقّ وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وان يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا، ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين))، أما الذين يتقبلون فإن نفوسهم خالية من هذه العقد، أولهم قوة عقلية، وشخصية مؤثرة تجعلهم يتغلبون على عوامل التردد والهوى الخفى في أنفسهم، وهؤلاء هم الذين عناهم القرآن بمثل قوله ((هدى للمتقين)). ((إنما تنذر من اتبع الذكر وخشى الرحمن بالغيب)) وقد جاء في سورة الأنعام من هذا غير الآية التي نتحدث عنها قوله تعالى: ((إنّما يستجيب الذين يسمعون)) ((وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا، وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولىّ ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها، أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا، لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون)).