/ صفحه 22/
ويفرحون فلا يصيبهم حزن، والإنذار بأن الذين كذبوا بآيات الله يصيبهم العذاب بسبب فسقهم وخروجهم عما رسم الله من حدود في العقائد والأحكام، فالرسول أذن لم يأت بشيء من عنده، وإنما هو مبلغ عن الله، معرّف به، لا مثبت ولا منشيء وليست له قوة وراء هذا الاستعداد للتلقى والتبليغ، لم يعطه الله خزائنه، ولم يجعلها عنده يتصرف فيها كما يشاء، حتى يطمع طامع في الانتفاع المادى عن طريقه، أو يخاف أحدٌ الحرمان المادى إن حاد عن هذا الطريق، فإن خزائن الله لم تزل عندالله، ولم تزل خاضعة لسنة خاصة من سنن الله، فالله يمطى من أحب ومن كره، ويغني ويفقر لا بسبب الدين والإيمان ولكن بأسباب أخرى، فليس لأحد أن يتخذ الدين والرسول وسيلة إلى أمر من الدنيا، وليس لأحد أن ينتظر من الرسول حرمان أعدائه ومخالفيه من متاع الدنيا، ثم هو بعد ذلك بشر لا يعلم الغيب، ولا يعرف ما يكون غداً، ولا يقول للناس إنه تخلص بالرسالة من آثار بشريته وأصبح ملكا، وإنما هو بشر مثلهم، وكل ما يمتاز به عليهم أنه يوحى إليه وأنه متبع لهذا الوحى لا يحيد عنه، فعليهم أن يفكروا في ذلك كله بعقولهم، وأن يتدبروا هذا الوضع تدبر المبصرين المدركين، وألا يضلوا فيه ضلال العمى المتحيرين.
إنما يستجيب الذين يسمعون:
وتقول السورة ((وانذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولى ولا شفيع لعلهم يتقون، ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه، ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء، فتطردهم فتكون من الظالمين، وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ اللهُ عليهم من بيننا، أليس الله بأعلم بالشاكرين)).
تعلمه هذه الآيات ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أن الناس ليسوا سواء أمام الهدى الإلهى، فمنهم الجاحدون الكافرون أو المعاندون الذين ينكرون الحياة الأخرى، ولا يعترفون إلا بالحياة الدنيا، فهم يسيرون على هذا الأساس،